أصبحت الجوائز الأدبية في الدول المتقدمة صناعة في حد ذاتها، بل وسيلة للضغط وصناعة الرأي، فعادة ما تلجأ مثلاً بعض دور النشر لشراء الجوائز لكتب معينة من أجل الترويج لها، بالإضافة إلى شراء النقاد والصحفيين المختصين للترويج لعمل ما، وبالتالي فالجوائز لم تعد بتلك القيمة الرمزية التي تعطى لمن يستحقها، كما أن الجوائز أصبحت صورة للدول التي تتبناها، فالكثير من الدول تعتمد إنشاء جوائز مغرية لتنشيط مشهدها الثقافي، ولترويج صورتها خارج حدودها. يتشكل الفعل الثقافي داخل المجتمع من حلقتين، الأولى هي الفاعل -أي منتج الفعل الثقافي-، ويتعلق الأمر بالكاتب أو الفنان أو المؤلف أو الرّسام أو الممثل والمخرج، وغيرها من حلقات الإنتاج الثقافي في المجتمع، بمختلف روافد الثقافة. أما الحلقة الثانية فهي المستهلك للفعل الثقافي، وهو الإنسان فرداً كان أم جماعة. ويتطلب الوصول إلى الجمع بين الحلقتين، إيجاد العوامل المساعدة لتمكين المبدع أو منتج الفعل الثقافي من إيصال إنتاجه للمستهلك، وتقوم بهذه المهمة الجليلة مؤسسات الدولة جنباً إلى جنب مع بنيات المجتمع الأخرى، سواء فردية أم جماعية، اقتصادية كانت أم ثقافية، سواء من شركات ومؤسسات وجمعيات غير حكومية أو ما نسميه بالمجتمع المدني. وبما أن الفعل الثقافي يحتاج إلى تثمين وإلى الارتقاء به وتكريمه وإيصاله للجمهور من خلال تقييمه وتقديره، فإننا نعتمد على طرق مختلفة لذلك، منها إنشاء ما يسمى (الجوائز) في كل مجالات الثقافة والفن والبحوث العلمية المختلفة. وللجوائز بعدها السياسي، ولذلك كثير من الكتاب الكبار يتوجسون الريبة منها، خصوصاً تلك التي يؤسسها أشخاص أو رؤساء وما حدث بعد سقوط بعض الأنظمة العربية وتنازل عدد من الكتاب العرب عن جوائزهم، التي منحت لهم من طرف قادة بعض الدول العربية ما هو إلا دليل، لأنه غالباً ما تهتز صورة الكاتب خصوصاً إذا كان يتبنى ويدافع عن قضايا معينة، فاسم أو جهة الجائزة لها دور في قبولها أو رفضها من طرف بعض الكتاب. لكن يبقى أن استحداث الجوائز مهمة الدولة والمؤسسات، فالدولة تقوم بتشجيع خطابها الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي، من خلال الجوائز ومنحها لمن يروج خطابها، والمجتمع يقوم بتقييم وتكريم العمل الإبداعي، لكن هذا لا يعني أن ما تقيّمه الدولة ليس عملاً إبداعياً، بل هو عمل يستجيب لإستراتيجية الدولة في ترقية الخطاب الثقافي والفكري الذي يخدمها داخلياً وخارجياً. لا يمكن الاعتماد فقط على الدولة في ترقية الإبداع، لأن عملها قد يتعدى ذلك فتصبح آلية للرقابة وللاحتكار وللإقصاء، ولذلك وجب البحث عن آليات أخرى لتثمين العمل الإبداعي الخلاق، الذي قد يتعارض مع الخطاب الذي تروجه الدولة عبر مؤسساتها وهياكلها الثقافية، وعبر جوائزها أيضاً. إذن فوجود الحالتين ضروري لإحداث التوازن في المجتمع أو المشهد الإبداعي، وأيضاً لخلق حراك ثقافي حقيقي، ولهذا عندما غابت الجوائز التي تقدّمها مؤسسات المجتمع المستقلة في الجزائر، لجأ مبدعوها إلى تقديم ترشيحاتهم للمؤسسات الخارجية، منها الجوائز العربية في دبي والكويت والسودان ومصر وغيرها خصوصاً بعد النجاح الذي حققته بعض الجوائز الخليجية، لأنها تثمّن الإبداع أولاً من خارج حدودها وثانياً تسمح بظهور أقلام وأفكار رفضت في محل نشأتها أو تبلورها.