أقدر اجتهادات وزارة الخدمة المدنية في مجال تنظيم الوظيفية الحكومية، عبر عدة نظم ولوائح اصدرتها وكان أخرها لائحة الإجازات المرضية. هذه اللائحة يبدو وكأنها أرتكزت على فلسفتين: الأولى، هي الشك في الموظفين والمدراء وفي المؤسسات الصحية والأطباء؛ والثانية، على أن الوصول لأطبائنا الاستشاريين أسهل من الذهاب لشراء علبة ببيسي من البقالة القابعة في آخر الشارع! ديباجة اللائحة تشير إلى أنه تم استشارة الجهات الصحية فيها وهذا أمر يزيد الدهشة لدي. عندما تصاب بأنفلونزا كموظف وتحتاج ثلاثة أيام إجازة فإنه ليس من حقك الحصول على ذلك عن طريق المركز الصحي. لماذا؟ لأن أطباء المركز الصحي لا يوثق فيهم أو لأنهم غير مؤهلين! لتحصل على إجازة تتجاوز يوم واحد عليك الذهاب لمستشفى أو مركز أعلى لتجد فيه طبيبا، يتصوره مصمم اللائحة أكثر كفاءة وأمانة من زميله بالمركز الصحي. كيف ترضى وزارة الصحة بهذا التصنيف المسيء للأطباء والتمييز في أمانتهم وإمكاناتهم؟ هل هي موافقة على أن طبيب المركز غير مؤهل أو غير مؤتمن مهنياً لمنح إجازة مرضية عدة أيام؟ لماذا لا تخبر المعنيين بأن هناك أمراضاً بسيطة تحتاج عدة أيام إجازة دون ضرورة مراجعة المستشفى، وكلنا يعلم تعقيد الإجراءات للوصول للمستشفى؟ إذا كانت وزارة الصحة موافقة على هذه اللائحة، أطالبها بأن تتيح لي الوصول للاستشاري بالمستشفى خلال ثلاثة أو حتى عشرة أيام؟ عزيزي الموظف؛ عندما تصاب بإنفلونزا وتحتاج ثلاثة أيام إجازة لا ترتاح وإنما در السبع دوخات أو اصرف مزيداً من الأموال للوصول لمركز أكثر تقدماً من المركز الصحي. ولا تنس؛ أنت ومديرك والطبيب مشكوك في صدق كلامكم، مالم يكن ممهوراً بختم الإداري! هذا فكر نظري، وأنصح وزارة الخدمة المدنية أن تبدأ بتطبيقه على إداراتها لمدة ثلاثة أشهر قبل تعميمه. أرجو من مسؤول الخدمة المدنية أن يسأل سكرتارية مكتبه الموظفين الصغار، ماذا يفعلون إذا مرض أحدهم بأمر بسيط كالإنفلونزا أو الدورة الشهرية للسيدات أو المغص المفاجئ أو الصداع أو مر بحالة نفسية ومزاجية معينة أو إصابة رياضية بسيطة؟ هل يذهبون للمركز الصحي ليقوم بتحويلهم للمستشفى، ثم يحصلون على موعد مع الاستشاري لمنحهم إجازة يومين أو ثلاثة ؟ هل يعرف مسؤول الخدمة المدنية أن مثل هذا الإجراء في نظامنا الصحي الراهن يحتاج أشهر وليس ثلاثة أو أربعة أيام ، هي كل ما يحتاجه الموظف؟ لست أطالب بالفوضى، وأكتب من واقع خبرة كموظف وكقيادي؛ إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. يجب أن نتخلى عن تعاملنا مع الموظف بالشك والريبة دائماً. لا نريد تحول اللوائح إلى حبر على ورق بسبب عدم صلاحية تطبيقها، أو تحولها وسيلة تضييق على موظف يبذل جهدة لأكل لقمة العيش في وظيفة كسبها بعلمه وخبرته واجتهاده. أعيدوا الثقة للمدراء المباشرين في منح الإجازة المرضية البسيطة متى احتاجها الموظف ولا بأس أن تحددوها بعدد أيام معلومة في السنة. أعيدوا الثقة لطبيب المركز الصحي بمنح الإجازة التي يستحقها الموظف. سهلوا على الناس ولا تعسروا!