الخبز من أهم العناصر الغذائية القاهرة للجوع، وسلاح ينصر وجود الإنسان ويعزز بقاءه، وتختلف ثقافة الخبز من بلد إلى آخر تبعاً لعادات الشعوب؛ فيقل تناوله عند الغرب بينما هو ملك المائدة في العالم العربي، ولطالما ارتبط الخبز بالمخاوف السياسية والأزمات، فأول ما تفكر فيه عند حلول الأزمة هو تأمين رغيف الخبز. وللخبز دلالات كبيرة، فهو رمز لكثير من الحضارات التي كان بناؤها الأساس البحث عن لقمة العيش والوجود، فالعراقيون القدماء كانوا يطلقون على الخبز لقب غذاء السماء، وكان يعتبر وثيقة للمعاملات التجارية والاجتماعية، ومنهم من يحلف بالخبز ويقسم به حتى وقتنا الحاضر. وعند اليونان تشير الأسطورة إلى (ديميتر) الذي يعتبر إله الخبز وإله الزراعة والزواج والخصب. وعند الفراعنة يعتبر الخبز وسيلة للحيازة على الحياة الأبدية السعيدة، التي تخلد الإنسان في العالم الآخر بما قدمه للناس من خبز في حياته. وإلى هذا الوقت يرفع العربي كسرة الخبز إلى رأسه، ويقبِّلها ويضعها على جبينه ثم يختار لها مكاناً مناسباً، ومن المحرمات أن يدوس عليها أو المرور فوقها وتجاهلها دون احترامها وأخذها لمكان لا يكون عرضة لأقدام المارة، وقد يجعلها غذاء وعلفاً للحيوان، والأمثال الشعبية لا تزال شاهداً على ذلك؛ فللتعبير عن الإخلاص والمشاركة يقال (بيننا خبز وملح)، وللتعبير عن إتقان العمل يقال (أعطي الخباز خبزه ولو أكل نصفه)، وحتى عند حصول أمر طارئ يقوم بعضهم بتوزيع خبز للفقراء كصدقة بهدف دفع البلاء. وهناك عدد من الأعمال الأدبية والروائية أخذت الاسم من الخبز ذاته؛ كرواية (الخبز الحافي) لمحمد شكري، و(بائعة الخبز) لكازافينيه دومونتبان، و(حزننا خبزنا) لمازن معروف، وكذلك كان الخبز المادة الحيوية لقصائد الشعراء؛ فالشاعر محمود درويش في قصيدته المشهورة «أحن إلى خبز أمي» يثير حنين الأفئدة ورائحة الحب بوهج نار التنور ووقود العيش أمّاً وأرضاً. ومن طرائف ما يُروى عن سبب أنّ الخبز مدوّر وليس بالمربع؛ تقول بعض الروايات بأن ذلك يعود إلى تقديس بعض الشعوب لقرص الشمس وتشبيهه بها. يقول شكسبير (أعطوني مسرحاً وخبزاً أعطِكم شعباً عظيماً)، فإذا كانت الثقافة هي آخر ما يبقى عندما نوشك أن نخسر كل شيء، فالخبز هو آخر ما يبقى عندما نخسر الثقافة.