يعاقب بالحبس أو يغرم بمبلغ 100 ألف ريال سعودي كل من حاول تصدير أو ساعد على تصدير الآثار من المملكة، أو بكليهما معًا. هكذا ينص نظام الآثار الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/26. أي أن إخراج كنز من كنوز الأرض يعرضك للعقوبة الرادعة، لأنها أحد ثروات البلاد، ووجه هويتها الأبدي. بينما تترك كنوز أخرى للتسرب خارج البلاد دون أن نبالي. أعني الكنوز البشرية، ثروات العقول. ما حداني لكتابة المقال، مقطع انتشر في برامج وشبكات التواصل الاجتماعي للشيخ القطري خليفة آل ثاني، وهو مسافر لسويسرا لعلاج كسر في الأنف، تم ترشيح أفضل طبيب لديهم من قبل بروفسور في المستشفى، كانت المفاجأة أن هذا الطبيب سعودي. أليست هذه، أيضًا،كنوز تم أقصاؤها بقوة طاردة خارج دائرة الاستثمار والاحتفاء في البلاد؟ احتلت المملكة المرتبة الرابعة حسب موقع «ستاتيستا» المتخصص في إحصاءات الهجرة، أي أننا نبلغ موازين عالية لتنشئة العقول الكفئة وتزويدها بالعلم الأكاديمي الذي يؤلها لسد حاجة سوق العمل أولاً، وبيئة علمية مؤهلة لبناء العقول المنجزة والخلاقة. لكننا عاجزين عن ايقاف هجرة العقول للخارج، ليس للخارج الغربي وحسب، بل للدول المجاورة، أو من القطاع الحكومي للقطاع الخاص، كهجرة داخلية. كل هذا يشكل خسارة ضخمة لمخزون البلاد من الموارد البشرية النابغة. إننا ببساطة لا نحسن احتضان تلك العقول، سواء من مخرجات الابتعاث أو من التعليم الداخلي. كثيرون ذهبوا بأحلامهم لجهات أخرى يمكن أن تنميها وترعاها، لأنهم عاشوا اغتراباً مؤلما لما عادوا، سواء بفقدان الفرصة البحثية من جانب، بحيث يستغرقون في العمل لتوفير الدخل الذي يعيشهم، فيفقدون التبني الجاد لبحوثهم من خلال توفير دخول تكفيهم للتفرغ للبحث. هذا أولاً، ثانيا: من لديه أطفالا منهم، فإنهم لا يجدون موائمة كافية لأبنائهم من حيث البنية التعليمية، فينصرفون للعثور على تلك البيئة. الثالث: الأجور المنخفضة مقارنة بما يستحقونه في الخارج أو في القطاع الخاص، أمر يحتم عليهم الارتحال من أجل معيشة أفضل. حلت المملكة المركز الخامس بين دول الشرق الأوسط في أعداد مهاجريها، كما أوضحت إحصاءات مؤسسة سياسة الهجرة الأمريكية في واشنطن. بعد السودان ومصر والعراق وغيرهم من الدول التي تعاني من النزاعات المسلحة أو الميزانيات الضئيلة والمهدرة. إننا في المملكة نعيش تطورًا بسرعة الضوء في كل المجالات، حدث في الشهر الماضي فقط، وضعتوزارة العمل حلاً لتسريح السعوديين تعسفيًا من الشركات والمؤسسات التي استغلت ثغرة في المادة 77 من نظام العمل، إذ أصدرت قراراً يحظر على المنشآت فصل العاملين السعوديين جماعياً لأي سبب كان من دون إخطار مسبق لمكتب العمل المختص، لا تقل مدته عن 60 يوماً قبل موعد سريان قرار الفصل، وهددت بإيقاف خدماتها عن المنشآت المخالفة، مدداً متباينة، تصل في أعلاها إلى 720 يوماً أي عامين. على أمل أن يتم تعويض من تعرض للأضرار سلفًا. هذا ما أرغب بصدق من وزارة التعليم أن تبذله في سبيل استعادة تلك العقول المهاجرة، إن لم يكن السبب إنسانيا ووطنيا فليكن استثماريا على أقل تقدير.