للحوار أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع والدولة. فمن دون الحوار الإيجابي المثمر لن نصل إلى الحقيقة ولن نكون قادرين على معرفة كيفية تفكير الآخر ولا ردود الأفعال التي تحكم تصرفاته. وللحوار أسس وقواعد معينة من دونها يفقد الحوار أهميته ويصبح غير قادر على إيصال الفكرة المراد إيصالها، وعندما يصل إلى طريق مسدود نطلق عليه تهكماً حوار الطرشان. والحوار مهم في حياتنا العصرية العملية منها والنفسية. فبالنسبة للأفراد والمجتمعات والأنظمة السياسية فإنها تحيا بالحوار وتواجه مشكلات جمة بغيابه وتغلب وجهة النظر الواحدة. فيهيمن الانغلاق ويواجه الرأي الآخر صعوبة، الأمر الذي يسمم المناخ العام ويكون مناسبة لظهور التسلط والدكتاتورية. وقد عرف العالم العربي والإسلامي إبان زهو الحضارة العربية الإسلامية مناخاً فكرياً رائداً أدى إلى ترعرع كافة الأفكار والثقافات وتلاقحها، الأمر الذي انعكس على المناخ الفكري السائد آنذاك وعلى الإنتاج العلمي والمعرفي. ويربط الكثيرون بين غياب الحوار وبين ذلك الانحدار الذي شهده العالم الإسلامي لاحقاً بسبب إغلاق باب الاجتهاد وهيمنة الرأي الواحد دينياً وسياسياً وفكرياً. ولكن هل كان وراء إغلاق باب الحوار أسباب؟ في حقيقة الأمر فإن سد أبواب الحوار بين أطياف العالم الإسلامي كانت وراءه أسباب متعددة بعضها داخلي والآخر خارجي. فداخلياً لجأت بعض الأنظمة السياسية الي تأجيج الصراعات الداخلية لحماية نفسها ومصالحها الضيقة.. بينما لجأت بعض التيارات والأطياف الفكرية والدينية إلى منع الحوار كسلاح للتفرقة الداخلية وكطريقة لتمرير أجنداتها وإقناع الآخرين بأهمية أفكارها. خارجياً، كانت إثارة الصراعات والنزاعات الطائفية والاختلافات الإثنية سلاحاً ماضياً في يد القوى الخارجية التي استخدمته خير استخدام وخلال مختلف العصور. ولكن على الرغم من غياب ما يسمى ثقافة الحوار بسبب استخدام بعض الأطراف القوة والعنف المادي والمعنوي لإعاقته وإغلاق المنافذ ووضع العراقيل أمامه، إلا أن الرغبة في الحوار الإيجابي كثيراً ما تظهر في عالمنا العربي والإسلامي. فما يجمعه أكثر مما يفرقه. إما في عالمنا المعاصر فقد تردد مصطلح الحوار كثيراً. فظهر ما يسمى حوار الأديان وحوار الثقافات والحوار المجتمعي. كذلك هناك أهمية كبرى تولى اليوم للحوار الإسلامي المسيحي وحوار الطوائف وحوار الثقافات وكلها حوارات تهدف إلى تقريب الرؤى ووجهات النظر حول مواضيع محددة لكي تبعد الأمة عن خطر التفكك. الخلافات التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية حالياً نتاج أمين لعقود طويلة من غياب من يدعو بصدق إلى التقريب بين وجهات النظر والرؤى. والمعروف أن حوار الأديان، مثلاً، قد ظهر منذ عشرات السنين.. ولكن في فترة الثمانينات أصبح لحوار الأديان وبالتحديد للحوار الإسلامي المسيحي أهمية كبرى نظراً للتأزم والتطرف الذي طرأ على أفكار اتباع كلا الديانتين، الأمر الذي أدى إلى تلك الأحداث المؤسفة التي طالت الولايات المتحدة الأميركية في بدايات القرن الحادي والعشرين وإلى انفجار الحروب في كل من أفغانستان والعراق. ولكن على الرغم من اعتقاد البعض أن تلك الحروب قد وضعت نهاية أليمة للحوار الإسلامي المسيحي إلا أنها أكدت أهمية استمرارية الحوار. بالنسبة للغرب فقد تأكد لهم عمق تغلغل الإسلام في نفوس اتباعه وبأنه أصبح نداً لهم، أما بالنسبة للمسلمين فقد فتح أعينهم على حقائق عدة أهمها ضرورة تلاحمهم في وجه خصومهم. إن ما نحتاج له في عالمنا العربي اليوم هو من يدعو بصدق إلى تبني الحوار الإيجابي الذي يتمثل في تقبل وجهة نظر الآخر والتعايش معه. ومن هنا يأتي دور الإعلام الذي عليه أن يبرز نقاط التلاقي لا نقاط الاختلاف. لقد استطاعت بعض القنوات الإعلامية في العقود الماضية أن تخلق في نفوس مشاهديها نبرة مختلفة عن كل ما كانت تعكسه القنوات الإعلامية الرسمية، بمعنى آخر أن تكسر ذلك التابو السائد من قيم الإعلام الموجه القائم على وجهة نظر الأنظمة الحكومية الرسمية. ففتحت تلك القنوات التلفزيونية مرحلة جديدة من مراحل الإعلام غير الموجه والقائم على ثقافة الحوار. ولكن سرعان ما انجرفت تلك القنوات في طريق مغاير مخلفة وراءها آثاراً سلبية عدة. إن أهم التحديات التي تواجه عملية الحوار اليوم هو ذلك التعصب الطائفي والديني وتعصب النخب لقضاياها المصيرية الأمر الذي أدخل عملية الحوار في نفق مغلق. لقد بات الجميع في انتظار من يأتي ليضع قطار الحوار على مساره الصحيح.