كان «بوخالد»، حفظه الله تعالى، يقف بابتسامته المعهودة ونبرة صوته، التي تبعث الطمأنينة تشنّف الأسماع بجملته، التي خلّدها الزمن: «نحن بخير بسندنا وإخواننا وعوننا وذخرنا أبناء هذه البلاد الغالية.. الإمارات بخير ما دام البيت متوحداً». نظرته لإخوانه وأبنائه كانت نظرة الثقة والاطمئنان بأنّه يتحدث عن «السَنَد» و«العون» و«الذخر»، وبأنّه لا خوف على الوطن بوجودهم، فالبيت على قلب واحد، كان يعلم أنّ بهم روح زايد ودماء الأسلاف المؤسسين وأنّهم قد شبّوا على «العِلم الطيّب»، الذي ورثوه ولم يتسلّفوه من أحد أو يدّعوه زوراً! لسنا وبحمد الله في دولة ملالي أو دراويش أو «عِزبة» مُرشد ولن نكون أبداً، ولكننا في دولة مدنية عصرية، تقف على مبادئ عظيمة مستقاة من دينها السمح وتقاليدها الخيّرة وأعرافها الراقية، تُعلي شأن العلم والفكر، وتنظر للمستقبل، وتراهن عليه، وتشدّد دوماً على قيم التسامح والتعايش والتكامل مع بقية الشعوب. نحن لا نحمل في دواخلنا إلا الخير للآخرين والحب لهذا الوطن والولاء المطلق وغير المشروط لقيادته الحكيمة والمحبوبة، ولسنا كما قال أحد الأكاديميين لدينا، سامحه الله، في لقاء بقناة خليجية معروفة بأن «في داخل كل واحد مِنّا داعشياً صغيراً» في جرأة غير مسبوقة في تعميم هذه التهمة الخطرة، التي لا نعلم مستندها ولا سبب إعلانها الفج في لقاء تلفزيوني! لم تُعلّمنا مناهجنا كما قال الأكاديمي الآخر المواطن أيضاً بذات البرنامج «التطرّف والإرهاب وكراهية الآخر»، بل علمتنا الخير وأعلَتْ شأن الأخلاق، ويكفي أنّ بلادنا تعيش بها قرابة 202 جنسية مختلفة منذ قرابة نصف قرن من الزمان لم تجد في هذا الوطن ومِن أهله إلا «الحشمة» والاحترام ولين المعشر ويجدون بها ما لا يجدونه في بلدانهم الأصلية من الكرامة والعدالة ومستوى المعيشة العالي. ولم تُسجّل طيلة تلك المدة ولا واقعة «يتيمة» تصب في إطار الكراهية أو التمييز، وفقاً لمذهب أو دين أو عِرْق، بل يعتبر مجتمع الإمارات تحديداً أنموذجاً فريداً للتعايش والتناغم سيبقى كذلك، بإذن الله، وكما أسماها البعض وهي جديرة به بأنها «أرض الأحلام الجديدة»! أوقِفْ أي شخص غير مواطن في طريقك واسأله إن تعرّض يوماً لحالة تمييز، وفقاً لدينه أو جنسيته أو عِرقه، ونبّش في أخبار الدولة كيفما شئت، لتتأكد أن التسامح والسلم والتعايش الإيجابي البنّاء هو مما ترسّخ وتأصل في «جينات» هذا الشعب، ولم تقم الحكومة الرشيدة بإنشاء وزارة للتسامح لخلّو البلاد منه، ولكن لتعزيزه أكثر وترسيخ كونه منهج حياة لا نجد بديلاً عنه. ولا تخرج المؤشرات العالمية المحايدة الخاصة بمؤشرات السعادة والرضا للشعب بكل أطيافه إلا والإمارات «دوماً» في مقدمة القائمة، فكيف بعد ذلك يخرج دكتور مننا للأسف ليقول إن مناهجنا «علّمتنا الإرهاب والتطرف وكراهية الآخر»، ماذا لو قامت المنظمات المشبوهة والكارهة لبلادنا بترجمة هذا اللقاء «الأهوج» وتناقلته وسائل الإعلام العالمية بأنّ هذا حديث أكاديمي إماراتي عن حقيقة بلاده! نحن لا نتدخل في أفكار أحد ولا مذاهبه، ولا ناقة لنا ولا جمل إن كان في الخط اليمين أو اليسار، تلك حرياتكم الشخصية أيها السادة، والقانون وحده من يحق له التدخل، من خلال سلطات الدولة المختصة في التعامل مع أي إخلال أو شطط قد ينتاب تلك الأفكار، آمنوا بما تريدون واعتقدوا ما تحبون لكن كفاكم استفزازاً للمجتمع المسالم بتعمد استثارته بالطعن في ثوابت عقيدته والسخرية من صفحاته النيّرة وقدواته. و«عيب» أن يخرج دكتور على شاشة ليشوه تاريخاً مجيداً لأمتنا، لم يجرؤ على التفكير به أعداؤها ويقول إن الفاتحين الأوائل من الصحابة والتابعين تركوا أفريقيا لأنهم فضلوا بياض وحمار أوروبا على سواد أفريقيا، إن إسقاط الغرائز الرخيصة لتفسير أحداث التاريخ العظيمة سقطة لا يقع فيها تلميذ صغير، فما بالك بمن يحمل شهادة دكتوراه! ثم تأتينا صدمة أخرى عندما يتحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن أهمية الاقتصاد الإسلامي، وبأنّ الدولة عازمة أن تكون عاصمة لهذا الاقتصاد، الذي تمثل قيمة منتجاته ما يزيد على ثمانية تريليونات دولار، وبأنّ أول مصرف إسلامي في العالم تم إنشاؤه في دبي. وبها أول سوق مالي إسلامي، فيخرج الأكاديمي نفسه باللقاء نفسه ليقول: إن المصارف الإسلامية فكرة «إخونجية»، ما هذه الجرأة في إلقاء التصاريح المتهوّرة دون تبصّر وعقلانية ودون «احترام» لتوجهات الدولة وقراراتها السيادية ؟! إن الوقت وقت عمل واجتهاد، لا وقت جدال استفزازي لا خانة له من الإعراب، والأوان أوان تعاضد وتعاون وتآلف ونحن في منطقة شديدة التوتر، ويكثر حولها الطامعون المتربصون وليس أوان شَقّ لِلُحْمَةِ هذا التماسك، وهزٍ للنسيج المجتمعي وكأنّ البعض يريد أن يُقدِّم لأعداء الوطن ما عجزوا هم عنه! يقول وارين بافيت: «تحتاج إلى عشرين سنة لبناء سُمعة جيدة وخمس دقائق فقط لهدمها»، إنّ سُمعة بلادنا أمانة في أعناقنا، وقد تعبت قيادتنا الحكيمة كثيراً لجعل اسم الإمارات رديفاً للخير والنماء والسلام والتسامح. ولا يحق لأحد أن يأخذه حماس كاميرات الشاشة أو يؤلبه تهييج مذيعة ساذجة لكي يرمي بلاده وشعبها بـ«بلايا» لا يؤيدها الواقع، وتكذّبها كل الدلائل، إن سُمعة الوطن ليست أُلعوبة ومن يتصدّر لحدث إعلامي يجب عليه ألا يخرج «مليمتراً واحداً» عن توجهات البلد وإطار سياسته الإعلامية، ومن لا يقدر على ذلك فيا ليت أن يترك التصريحات لأهلها، فالإمارات بخير، كما قال كبيرُها، والبيت متوحّد.