في أشهر شوارع وسط المدينة وأعرقها يجلس الفنان حسن كامي، بوجه راض، وسط مئات من الأرفف الخشبية القديمة المحملة بالآلاف من الكتب في مكتبته الخاصة. في حواره مع «الجريدة»، يسرد صاحب الصوت الأوبرالي رحلته بين عشقه للأوبرا وقصته مع الكاميرا. ابتعادك عن الساحة الفنية خلال السنوات الأخيرة، جمود أم خيار بإرادتك؟ لم أبتعد وكل ما في الأمر أن المعروض لا يناسبني ولا يستفزني كفنان، لكن إذا عرض علي نص جيد سأقدمه من دون تردد سواء في السينما أو التلفزيون، لذلك لا أصنف ابتعادي عن الشاشة جموداً. مثلا أديت دوراً ولم أكن سعيداً بعد الانتهاء من التجربة على المستوى الفني، مقارنة بتجربة أخرى، عرض علي خلالها ثلاثة شباب موهوبين تصوير فيلم وثائقي في المكتبة التي أمتلكها بوسط المدينة، فوافقت من دون تردد ومن دون تلقي أي أموال، وبالفعل تم التصوير، وبعد فترة طويلة أبلغني الشباب أن الفيلم حصد جوائز، وكانت سعادتي لا توصف، ما يثبت أن قيمة العمل أهم من المال، ويجب ألا يكون المال المؤشر الوحيد لرفض أي عمل فني أو قبوله. في أحد تصاريحك وصفت غناءك الأوبرالي بأنه أصعب من التمثيل، لماذا قررت الاعتزال؟ ليس بمعنى أصعب أو أسهل، فالعمل كمغنٍ أوبرالي كان حلمي الأكبر الذي تحقق عملياً منذ عام 1963، واجتهدت في تطوير نفسي بالفعل، ولكن قرار اعتزالي كان في 2001، لأنني قدمت كل ما أملك من حب وموهبة للأوبرا رغم أنني كنت في قمة تألق صوتي. هل انتهت علاقتك بالأوبرا بعد اعتزالك الغناء؟ وكيف تقيّم وضعها الحالي؟ أقصد الأوبرا لحضور اجتماعات مجلس الإدارة بصفتي عضواً فيه، ورغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد في الفترة الحالية، من الجيد استمرار حفلات الأوبرا تكمن المشكلة في إطار الرؤية الثقافية للأسف، فليس ثمة أولوية للأوبرا رغم أنها أحد أهم الفنون الراقية التي تتطلب إبهاراً في العرض والإضاءة والصوت، وكلها أمور تحتاج إلى موازنات ضخمة لتحقيقها كما يجب، لذلك استمرار عمل 16 فرقة تحت قبة الأوبرا يعد أمراً جيداً في ظل موازنات محدودة. السينما والتلفزيون أين حسن كامي من السينما والتلفزيون؟ وهل ستشارك قريباً في أي عمل؟ قلة الأعمال لا تخصني وحدي، فهي حال كثير من الفنانين، يتعلق الأمر بأزمة النص والكتابة وليس أزمة إنتاج، كما يروج البعض. تنفق الملايين على أعمال من دون نص كتابي من الأساس، وهذا ما يعاني منه أي فنان يفكر مراراً قبل قبول أي عرض تمثيلي، وكانت تجربتي الشخصية مؤسفة عندما عرض عليّ أحد المنتجين، منذ سنوات، المشاركة في فيلم لا نص فيه، و«يومية» زهيدة، لذا اعتذرت وانسحبت. هل يعني ذلك أننا لن نراك في أي عمل قريباً؟ تعاقدت أخيراً على مسلسل من إنتاج الإمارات، وسيشارك فيه فنانون مصريون وعرب. أتحفظ عن الحديث عن العمل أو الدور الذي أؤديه حتى أوقع الاتفاق. ماذا عن المسرح؟ أعشق المسرح، لكن للأسف ليس ثمة مسرح حقيقي، والمعروض لا يستهويني، ولكني راض بالأعمال المسرحية التي قدمتها وتعاونت فيها مع قامات كبيرة أبرزها: المخرجان سيد راضي، وجلال الشرقاوي في مسرحية «انقلاب»، كان عملا مميزا يصنف بـ«المسرح الأسود» أي اندماج المسرح والسينما معاً، واستلزم العرض 17 خبيراً من تشيكوسلوفاكيا لإتمامه، وهو الأقرب إلى قلبي. هل البقاء وسط الكتب أفضل؟ أنا قارئ نهم منذ صغري، وبعد تخرجي في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، كانت أسرتي بالكاد خرجت من عاصفة اقتصادية في عام 1956، فقررت ألا أطلب شيئاً منها ونزلت إلى القاهرة، حيث بدأت العمل كساعٍ في إحدى شركات السياحة الكبرى في وسط المدينة، وكانت المكتبة في الشارع المقابل للشركة، كنت أتقاضى من عملي ثلاثة جنيهات أنفقها في دروس الغناء واقتناء الكتب، وأصبحت زبوناً لدى صاحبها اليهودي فيلدمان، وفي أيام ترحيله من مصر، طلب مني شراء المكتبة وحين أخبرته أنني لا أملك قيمتها عرض عليَّ دفع بقية ثمنها بالتقسيط، وبالفعل أصبحت مالكها وهي أغلى ما تبقى لي بعد رحيل زوجتي نجوى وابني شريف. نجوى... رفيقة عمري يتحدث حسن كامي بحنين وحب عن زوجته الراحلة نجوى ويقول: «لم تكن لي زوجة فقط بل كانت رفيقة عمري لمدة 40 عاماً حتى فارقت الحياة في 2012 بسبب مرض الحمى الشوكية، الذي أصابها فجأة. كانت ملهمتي في كل شيء وحتى الآن أراسلها على صفحتها على «فيسبوك»، وأّذكر أنني حين طلبت يدها للزواج، أخبرتها أن راتبي 3 جنيهات فقط، وعرضت عليها مهلة للتفكير 3 أيام، فردت: «ولا 3 دقايق أنا موافقة»، فكانت أسعد لحظة في حياتي، ورغم أن أهلها تخوفوا من زواجها بي، لأنها كانت من عائلة غنية، تنتمي إلى طبقة ارستقراطية، إلا أنني أثبت لهم قدرتي على إسعادها وأصنع لفتاتهم عرشاً لتكون ملكة فيه، وما زلت حتى الآن أعيش معها وهي بجواري. وزعت صورها في كل مكان، في المكتبة والمنزل، وفي السيارة، وعلى هاتفي، ربما عزاء روحي الوحيد لرحيلها أنه ربما لو كان حدث العكس ورحلت قبلها لما استطاعت تحمل كل هذا الألم».