يبدو الكرملين منشغلاً أكثر من أي وقت مضى بتعزيز مواقعه في العالم، وتركيز دور روسيا كلاعب مركزي تتجمع لديه أوراق الضغط، عبر إيجاد توازنات دقيقة بين أطراف تتناقض مصالحها، مثل واشنطن وطهران، أو طهران وأنقرة، أو تل أبيب ودمشق. لكنه في غمار «معاركه» الخارجية، يواجه موقفاً دقيقاً في الداخل، قبل عام كامل على حلول موعد انتخابات الرئاسة التي تحظى هذه المرة بأهمية خاصة، في ظروف الحصار الاقتصادي والعقوبات وتردي الأحوال المعيشية للمواطن الروسي. لا يرغب الرئيس فلاديمير بوتين بالذهاب نحو الاستحقاق الانتخابي الجديد في آذار (مارس) المقبل «بطلاً» في الخارج فقط. وعلى رغم أن سيد الكرملين ما زال يحظى بشعبية واسعة يحسده عليها نظراؤه في الغرب، وتصل وفق مراكز الاستطلاع إلى نحو 70 في المئة، لكنها مستمدة بالدرجة الأولى من نجاحه في حشد تأييد واسع لجهود «استعادة هيبة روسيا» وتعزيز حضورها على المسرح الدولي. ونقلت صحيفة «أر بي كا» القريبة من النخب السياسية والاقتصادية، عن مصدر في الديوان الرئاسي أن مطبخ الكرملين انشغل خلال الأسابيع الأخيرة بوضع خطط لـ «تنشيط» الحملات الانتخابية ومنحها الزخم المطلوب، لتحفيز الإقبال على الصناديق، الذي يجب أن يتجاوز أيضاً 70 في المئة، وهذه نسبة غير مسبوقة في أي انتخابات في تاريخ روسيا. بين الأفكار التي طرحت دفع عدد من «الوجوه الجديدة» لخوض السباق الرئاسي، بدلاً من قادة أحزاب «المعارضة اللطيفة» الممثلة في البرلمان، الذين يشاركون تقليدياً في كل استحقاق انتخابي منذ عشرين عاماً. لكن المصدر قال إن الكرملين «لم يجد شخصيات تلفت الأنظار» لأن دراسات دلت إلى أن الروس لا يعرفون من تلك الأحزاب أصلاً إلا قادتها، ما يعني أن «لا فائدة من إحلال مرشحين بديلين». ويبدو الرهان على دفع مرشحين «مستقلين» غير مجد بدوره، إذ لن ينجح هؤلاء في منح السباق السخونة والدفع المطلوبين. لكن هذا السيناريو لم يستبعد تماماً وقد تتم العودة إليه بعد اتضاح نتائج انتخابات المجالس المحلية في الأقاليم في أيلول (سبتمبر) المقبل. كما لعب هاجس السباق مجدداً نحو مقعد الرئاسة دوراً في إدخال بعض التعديلات حتى على السياسات الخارجية. من هنا، كما يقول عارفون مقربون من الكرملين، جاء الإصرار الروسي على إطلاق عملية سياسية في سورية تكرس «انتصار روسيا على شر الإرهاب» في عام التحضير للانتخابات، بعدما نجحت روسيا في تعديل موازين القوى، ولم تعد تخشى أن تطيح أي عملية سياسية بمكاسبها في سورية. من هنا، حرص الكرملين على الإفادة إلى أقصى درجة من التغيرات الحاصلة في العالم، من تقلبات الوضع في أوروبا، إلى وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة في واشنطن. لكن أسوأ السيناريوات التي قد تواجه مطبخ الكرملين، وهو يبدأ في هذه الأيام التحضير للاستحقاق الانتخابي المقبل، أن يكون الفوز المحسوم سلفاً لبوتين «ضعيفاً» لجهة نسب التأييد التي لا ينبغي أن تقل عن السقف الراهن (70 في المئة)، أو لجهة درجة الإقبال على صناديق الاقتراع، لأن عزوف الناخبين عن الإقبال على الصناديق يزعزع الثقة بجدارة الفوز. وحتى يتضح الموقف، بالنسبة إلى مشاركة المرشح المعارض أليكسي نافالني الذي يواجه احتمال استبعاده بسبب صدور حكم قضائي ضده، يبدو أن السباق «سيكون تقليدياً»، ما دفع إلى وضع سيناريو آخر لتحفيز المشاركة والحضور، إذ سيتم تنظيم عشرات الاستفتاءات على قضايا داخلية في الأقاليم في يوم الانتخابات الرئاسية.