تحل دولة اليابان ضيف شرف على فعاليات القمة العالمية للحكومات التي تبدأ فعالياتها بعد غد، ويلقي الكلمة الرئيسية شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني، فيما يلقي كنتارو سينورا وزير الدولة الياباني للشؤون الخارجية كلمة رئيسية أمام المشاركين في القمة. وتشكل استضافة القمة العالمية للحكومات لليابان دلالة على أهمية التجربة اليابانية في نهضة الإنسان وبناء الدولة، فقد خرجت الإمبراطورية اليابانية من الحرب العالمية الثانية منهكة ومتعبة، ومثقلة بالشروط التي فرضتها دول الحلفاء المنتصرة على دول المحور المهزومة. كان لليابان النصيب الأكبر من خسائر الحرب تمثلت في مأساتي هيروشيما وناجازاكي، حيث ظن كثيرون أن نهضة اليابان بعد ما استهلكتها الحرب، شبه مستحيلة، لكن إرادة الشعب الياباني وقيادته حققت المستحيل، وغيرت النظرة التقليدية لمقومات وعوامل نهضة الأمم، فلم تلبث هذه الدولة أن شقت طريقها نحو المستقبل بتميز وأصبحت نموذجاً ومقياساً للحضارة والتقدم والأخلاق والحفاظ على الهوية والتقاليد الوطنية، وأثبتت التجربة اليابانية التي تحتل الأخلاق مكانة الصدارة فيها، أن الحداثة لا تتناقض مع الأخلاق، بل أن كل منهما يشترط الآخر، فلا حداثة من دون أخلاق، ولا أخلاق من دون حداثة. وهو ما يدعو إلى التساؤل، كيف فعلت اليابان كل ذلك؟ كيف تمكنت من تحقيق ما تعجز عنه دول لم تعانِ مثلها؟ وكيف نهضت من تحت ركام الحرب والهزيمة لتحتل صدارة الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً واجتماعياً؟ والإجابة هي ان الإبداع الذي حققه المجتمع الياباني مرتبط بأدق تفاصيل حياته، بعاداته، وثقافته التي عززت انتماءه وروحه الجماعية، ومرتبط بعلاقة القيادة مع الفرد، والفرد مع المؤسسة، بالشهامة والشجاعة والشرف والإيثارية ونكران الذات التي شكلت الملامح العريضة للوعي الذي يتحلى به المجتمع الياباني الخلاق، ولقد وضع اليابانيون لأنفسهم معادلة شكلت بوصلة مسيرتهم وتقدمهم، وهي أن اجتماع العلم مع الأخلاق والعمل يساوي النهضة. وبعد الهزيمة، بحث اليابانيون عن أقوى أسلحتهم لبناء دولتهم، فعادوا إلى ما يسمى بالتاريخ الياباني عهد «الإيدو»، وإيدو مسمى كان يطلق على أحد خلجان اليابان والذي بات يعرف اليوم باسم طوكيو العاصمة. ويعتبر هذا العهد الذي امتد من 1603 إلى 1868 أكثر مراحل الدولة اليابانية القديمة تطوراً واستقراراً، وشهد إصلاحات جوهرية طالت النظام الاقتصادي والاجتماعي ونظام التعليم بشكل خاص، حيث أقيمت المدارس في كافة أنحاء البلاد، ورُفع شعار:«لن يكون هناك طفل جاهل، أو أسرة جاهلة أو قرية جاهلة في جميع أرجاء اليابان»، كما رُفع شعار:«العلوم غربية لكن الروح يابانية». تعليم وما أن حل عام 1907 حتى كان 97% من الشعب الياباني متعلماً، وكانت نسبة الحاصلين على الشهادة الابتدائية عام 1910 100% وأطلق المدرسون حينها حملة بحث وتوثيق للمكونات الثقافية اليابانية من عادات وتقاليد وقيم وأخلاقيات، ليكون هدف التعليم بناء الشخصية الوطنية اليابانية وتعزيز مبادئها الاجتماعية، إلى جانب الاهتمام بالتعليم في ذلك العهد، توجه المثقفون اليابانيون نحو الترجمة، فنقلوا أهم الإنتاجات الأدبية والعلمية إلى اللغة اليابانية، واهتموا بشكل خاص بعلوم الرياضيات والفلك والخرائط، وساهمت هذه الحركة بتشجيع الإنتاج الأدبي والنظري والعلمي بين صفوف الطلبة، فازدهرت علوم اللغة والتاريخ وازدهرت الرواية اليابانية التقليدية التي ركزت على الأخلاق والقيم، وتعتبر تلك الفترة المهد التاريخي لولادة الشخصية اليابانية الحديثة. آفاق واليابانيون بأخلاقهم وعلمهم، وآفاقهم اللامحدودة، هم من اخترع أول قرص مدمج وأول كاميرا رقمية، وأول قرص «DVD» والقطارات السريعة وهندسة الزلازل والروبوتات الذكية. اختراعات ما كانت لتتم لولا انضباط الشخصية اليابانية وتفانيها في خدمة مجتمعها والبشرية جمعاء، وهم بطبعهم دمثي الخلق، طيبي المعشر ويؤمنون بروح الفريق وأن الفرد للمجموع والمجموع شرط لوجود الفرد ودافع لنشاطاته وعطائه، وفي عام 2016، صُنفت اليابان الأولى عالمياً في فن العيش الذي له علاقة بالذوق العام في التعامل مع الآخرين. وتتجلى أهمية هذه المرحلة من تاريخ اليابان بقرار الحكومة اليابانية، تحويل مادة الأخلاق التي يتعلمها الأطفال في مدارس اليابان من الاختيارية إلى الإلزامية. وتتضمن مادة الأخلاق التركيز على تعليم الأطفال أدق التفاصيل، مثل طريقة المشي، ومستوى الصوت، ودرجة الانحناء عند التحية التي تزداد وفقاً للمكانة الاجتماعية للشخص الآخر، وصولاً إلى الكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، كل حسب عمره. ومن المعروف أن اليابان كانت سباقة إلى إدراج الأخلاق ضمن مناهج الدراسة وتطبيق هذه المادة في تفاصيل الحياة اليومية للتلاميذ، فالتلاميذ في اليابان ينظفون مدارسهم بأنفسهم وبالشراكة مع معلميهم. رسالة من الإمارات استحضار القمة العالمية للحكومات في دورتها الخامسة للتجربة اليابانية، هي بمثابة رسالة من دولة الإمارات العربية المتحدة لشعوب المنطقة وحكوماتها، تقول: إن الأخلاق كما التسامح والسعادة قيمة يمكن رعايتها من خلال مناهج مدروسة وخطط علمية مدعومة بمراكز رصد ودراسات للظواهر السلوكية لدى الأطفال على وجه التحديد، تكشف عن مكونات السلب والإيجاب، فتواجه الأولى بمنطق وتدعم الثانية بعلمية وعملية. إنها رسالة تقول إن العودة للتاريخ ليست انكفاءً بقدر ما هي استدعاء للعادات والتقاليد والموروث الأخلاقي الذي شكل اللبنة الأولى من الشخصية الوطنية لكل فرد في المجتمع. مجموعة جيمس للتعليم شريكاً مميزاً أعلنت القمة العالمية للحكومات، اختيار مجموعة «جيمس للتعليم»، شريكاً مميزاً لدورتها الخامسة، التي تنظمها تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، بعد غد ولمدة يومين. وقال صني فاركي مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة «جيمس للتعليم»: «تأتي شراكتنا مع القمة العالمية للحكومات، لتسلط الضوء على التزام مجموعة «جيمس للتعليم»، بتحقيق أهداف التعليم الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تمضي مسيرة قطاع التعليم في البلاد قدماً، مسترشدة بـ «رؤية الإمارات 2021»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرامية إلى تأسيس نظام تعليمي رفيع المستوى قائم على ثقافة الابتكار والإبداع». تطوير وأضاف: «تركز دولة الإمارات على تطوير الإمكانات التعليمية التي يمكنها المساعدة على تحقيق رؤية الحكومة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، مدعوم برأسمال فكري، وفق أعلى المستويات العالمية». وتابع أن القمة العالمية للحكومات هذا العام، ستساعد على تحديد المجالات التي يمكن لنظام التعليم في دولة الإمارات وبقية أرجاء العالم، تعزيز التطوير لمجابهة تحديات المستقبل.