واشنطن: محمد علي صالح بعد أن منعت الحكومة الإسرائيلية عرضها في إسرائيل بسبب «توقع إثارة توتر سياسي واجتماعي»، تبدأ اليوم في مسرح بواشنطن مسرحية «ادميشان» (اعتراف) للكاتب اليهودي موتي ليرنار ومن إخراج سايناي بيتر، يتناول فيها مذبحة دير ياسين التي نفذتها العصابات الصهيونية في فلسطين. لكن، حتى يهود واشنطن ترددوا في الموافقة على عرضها في واحدة من مسارحهم. وكان الكاتب كرر بأنه لن يعرضها خارج إسرائيل، وإذا اضطر إلى ذلك فلا بد أن يعرضها في مسرح يهودي، حتى لا يتهم بمعاداة السامية، أو على الأقل، وهو اليهودي، حتى لا يتهم بأنه يكره نفسه. في نهاية السنة الماضية، وافق المركز الاجتماعي في واشنطن «جي سي سي» على عرض المسرحية، لكن اشترط أن تخفض من 34 منظرا إلى 16 منظرا، وألا تقدم مثل «بلاي» (مسرحية)، ولكن مثل «ويرك شوب» (ورشة عمل). يعرض العمل على «مسرح جي» (الحرف الأول من كلمة «جويش»)، وهو مسرح يهودي معروف بتوجهاته الليبرالية، وله صلة بمنظمة «جي ستريت» (شارع «جي») اليهودية الليبرالية في واشنطن، التي أسست قبل سنوات قليلة، لكنها بدأت تسبب صداعا للمنظمات اليهودية الكبيرة في واشنطن، مثل أكبرها: «ايباك» (لجنة العمل الأميركية الإسرائيلية). يقع «مسرح جي» داخل مبنى المركز الاجتماعي اليهودي «جي سي سي»، لهذا اضطر إلى أن يوافق على شروط المركز بتخفيض مناظر المسرحية، وبأن يسميها «ورشة عمل»، لا «مسرحية». دير ياسين هي قرية فلسطينية تقع غرب القدس عندما دخلتها العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948، خلال حرب تأسيس دولة إسرائيل. ونفذوا فيها مذبحة بشعة بقيادة مناحم بيغن، الذي صار في وقت لاحق رئيس وزراء إسرائيل. واقتسم مع الرئيس المصري أنور السادات جائزة نوبل للسلام (بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979). وحسب تقارير دولية، ذبح اليهود 107 أشخاص، بين رجل وامرأة وطفل (يقول آخرون إن العدد كان 450)، حصدوا بالرصاص كل الرجال لدى عودتهم من الحقول ثم ألقوا بهم في بئر القرية. بعد المذبحة استوطن اليهود القرية. وفي عام 1980 أعادوا البناء فوق أنقاض المباني الأصلية، وسموا الشوارع بأسماء مقاتلي منظمة «إرغون» الذين نفذوا المذبحة. في مذكراته، كتب بيغن، قائد المذبحة: «كانت نار العرب حامية. واضطر اليهود إلى أن يحاربوا من شارع إلى شارع، ومن دار إلى دار». في ذلك الوقت، قال كريتش جونز، كبير مندوبي الصليب الأحمر في فلسطين: «ذبح 300 شخص دون مبرر عسكري، ودون استفزاز من أي نوع. كانوا رجالا كبارا في السن، ونساء، وأطفالا رضعا، بل إن شابة (يهودية) أرتني سكينها ويديها وهي تقطر دما، دليلا على النصر». أمس، كتب بيتر ماركز، محرر الشؤون المسرحية في صحيفة «واشنطن بوست»، تعليقا على المسرحية: «هذه دراما إسرائيلية تسبب العذاب. هذا تراث إسرائيل العنيف وهي دولة في بدايتها. هذا تراث يبدو أنه لن ينتهي، لأنه يستمر يصب وكان منبعه بحيرة عذاب لا قاع لها». ورغم أن ماركز قال إن العرب واليهود يتبادلون الاتهامات حول أسباب المذبحة، وما حدث فيها، قال (دون أن يتهم اليهود مباشرة): «يبدو أن اتهامات الإبادة ضد الجنود الإسرائيليين قلقة جدا، وتثير المشاعر». وأضاف: «الدليل على ذلك أن المسرحية أثارت نقاشا حادا (دون أن يقول وسط اليهود) منذ أن كانت فكرة في إسرائيل. وأثارت نقاشا أكبر عندما قرر مسرح (جي) في واشنطن أن يعرضها، لأول مرة في العالم». لم تعلق صحيفة «نيويورك تايمز» على المسرحية. ربما لأنها تعرض في واشنطن، لكن لم تعلق أي صحيفة أميركية أخرى. في «غوغل»، لا يوجد أي شيء عن المسرحية، غير ما كتب عنها مخرجها موتي ليرنار باللغة العبرية، وترجمه موقع «إنتراسليتور» (المترجم) الأميركي. كتب ليرنار: «ليست هذه مسرحية وثائقية، وليست مسرحية واقعية. عرضتها أنا في مجموعات صغيرة، وفي حلقات قراءة، لا تمثيل». ورغم أنه قال إن المسرحية «خيالية»، لم ينفِ صلتها بالواقع: اسم القرية هو جيرين بالقرب من حيفا (لا دير ياسين)، وأحداث المسرحية وقعت في عام 1988، في حيفا (لا عام 1948 في دير ياسين). بطل المسرحية هو «أفيغدور»، جنرال إسرائيلي متقاعد، ويملك شركة مقاولات في حيفا (لا مناحم بيغين). أما الفلسطيني «إبراهيم» من قرية جيرين (لا دير ياسين) وولده «عزمي»، صاحب مطعم في حيفا (لا من ضحايا دير ياسين) وابنته «سامية» محاضرة في جامعة حيفا (لا من ضحايا دير ياسين). «غيورا» ابن الجنرال المتقاعد، اشترك في غزو لبنان عام 1982، وفقد الإحساس برجليه، وصار يمشي بعكازين، ويعمل أستاذا في جامعة حيفا أيضا. ولهذا فإن المسرحية من وحي خيال، لكن أحداثها قريبة من الواقع. ويتطور الخيال في ذهن «غيورا»، أستاذ جامعة حيفا، وزميل «سامية»، وكان يتناقش معها كثيرا عن مذبحة دير ياسين. ومرة خرج إلى ضواحي حيفا، وشاهد قرية جيرين من بُعد، وشاهد جرارا يحفر في مزرعة مجاورة. وتذكر النقاش مع «سامية»، وطاف خيالة بعيدا. هكذا، بدأت فكرة المسرحية. في المشهد الأول في المسرحية يدخل «غيورا» المسرح على عكازين، مع أصوات جرارات تحفر (وربما تدمر)، ومنظر غبار يتصاعد. يصيبه الفضول ليشاهد ما يحدث، ويريد أن يصعد تلا قصيرا، ليشاهد بوضوح، لكنه يقع على عكازيه. أما في المشهد الثاني فيقوم فيه «غيورا» بزيارة مطعم «عزمي» في حيفا، ويستغرب لأن «عزمي» يرتدي بدلة كاملة، وأنيقة، وهو ينظف المطعم. ويشتكى «عزمي» أن والد «غيورا»، الجنرال المتقاعد، منحه قرضا لتأسيس المطعم، لكنه يضغط عليه ليدفع أقساط القرض سريعا، رغم أن زبائن المطعم عددهم قليل. يشفق عليه «غيورا»، ولا ينتقد والده، لكنه يأخذ المكنسة من يدي «عزمي»، ويحاول مساعدته في تنظيف المطعم، رغم أنه يعتمد على عكازين. يسترد «عزمي» المكنسة وهو غاضب، ويقول له: «نظف بيتك أولا..».. وهكذا، تستمر أحداث المسرحية، رغم أن المركز اليهودي في واشنطن حذف نصف مناظرها، كشرط لعرضها.