قليلون هم من العرب الذين فازوا بجائزة نوبل، بعضهم كان ويبقى في الواجهة، وبعضهم الآخر يبقى في الظل لأن منجزاتهم وتفوقهم وحياتهم كانت في بلاد الاغتراب. اللبناني بيتر مدوّر الحائز جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا عام 1960 من هؤلاء المنسيين، ولم يسمع باسمه إلا من خلال شارع رئيسي في بيروت، لذلك شاء الشاعر جوزيف أبي ضاهر كتابة ملامح سيرة عنه ليسلط الضوء على تاريخ عائلته بدءاً بهجرة والده من مدينة جونيه إلى بريطانيا ثم البرازيل، وصولاً إلى منجزاته العلمية وفوزه بنوبل ومحطات ما بعد الفوز. وعن فكرة الكتاب وإعداده يقول أبي ضاهر لـ «الحياة»: «عام 1968، نظمنا احتفالاً تكريمياً لخمسة من الأعلام اللبنانيين، حضرته شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية، وكان بين الحضور المحامي عبدالله لحود الذي اقترح اسم بيتر مدوّر لتكريمه. في ذلك الوقت، كنت منشغلاً بالصحافة والشعر ولم أكن أملك وقتاً كافياً للبحث عن معلومات حول مدوّر. لكن خلال السنوات الكثيرة التي مرّت، لم أنسَ ذلك الاسم وكنت أتابع أخباره وأحتفظ بكل ما أجده من معلومات عنه، ما ساعدني على إعداد أرشيف غني بالصور والمعلومات والأخبار وبعض الرسوم التي أنجزها الراحل على سبيل الهواية». ويضيف: «الكتاب الذي يطلق الجمعة في جونيه، المدينة التي وفد إليها والده وأخوه من بلدته عجلتون بحثاً عن حياة أفضل، مكون من 112 صفحة تتضمن معلومات عن كل ما يخص مدوّر. فسيرته، أو أفضل أن أسميها ملامح سيرته (لأن المعلومات ليست كافية لإعداد سيرة كاملة، نظراً إلى أنه لا تواصل مع عائلته المباشرة أو أحد المقربين وكلها من معلومات وأخبار باللغة الانكليزية)، يجب أن يسلَّط الضوء عليها. والد بيتر هاجر إلى بريطانيا حيث تعرف إلى والدته البريطانية وتزوجا، ثم هاجر إلى البرازيل حيث عمل في مجال بيع طواقم الأسنان. وبعدها عاد إلى بريطانيا حيث أنهى بيتر كل مراحل الدراسة وكان متفوقاً منذ سنواته الدراسية الأولى». بدأ مدوّر بحوثه في ما يتعلق بزرع الأنسجة والتقبل المناعي، عندما كان في سن المراهقة، وحصل على منحة لإكمال البحوث التي دعمتها لاحقاً مؤسسة علمية كبرى (عام 1938). منح مدور لقب «سير» بقرار من الملكة إليزابيث الثانية عام 1959، ونال جائزة نوبل عام 1960 تقديراً لبحوثه حول زراعة الخلايا والأنسجة في الجسم، مناصفة مع العالم الاسترالي السير فارنك ماكفارلين بيرنت. زار مدوّر، وهو العربي الأول، والأول في الشرق الأدنى الذي فاز بنوبل الطب، لبنان مرّتين وشملت زيارته مناطق عدة، أبرزها بلدته عجلتون حيث أقيم له احتفال تكريمي، وبعلبك حيث حضر حفلة للممثل الكوميدي الأميركي اللبناني الأصل داني توماس (مزياد يعقوب كيروز). وفي الزيارة الثانية، حل ضيفاً على الجامعة الأميركية في بيروت وألقى محاضرة لمناسبة عيدها المئوي. توفي مدور عام 1987 عن 72 عاماً، تاركاً وراءه مؤلفات قيّمة منها «حدود العلم» (The Limits of Science) و «نصيحة لعالم صغير» (Advice to a Young scientist). يذكر أن احتفالاً سيقام في جونيه، شمال بيروت، بعد ظهر الجمعة لإطلاق كتاب «من جونية إلى جائزة نوبل»، إضافة إلى إزاحة الستار عن لوحة تذكارية.