اتخّذتْ الزيارة التي قام بها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لبيروت، أبعاداً بالغة الأهمية في ضوء إبلاغه رئيس الجمهورية ميشال عون قرار المملكة بإعادة التمثيل الديبلوماسي للمملكة في لبنان الى مستوى سفير وعودة السعوديين لزيارة «بلاد الأرز» وتمضية عطلاتهم فيها. وإذا كانت زيارة السبهان الذي التقى امس ايضاً الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط شكّلت خطوة متقدّمة على طريق طيّ صفحة الخلاف مع الرياض عملياً استكمالاً لـ «إعلان النيات» الذي كان رافق محادثات عون في المملكة في 9 يناير الماضي، فإن مباحثات الوزير السعودي، كموفدٍ ملكي من خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز، اكتسبتْ أهمية خاصة في ضوء توقيتها في غمرة «أزمة قانون الانتخاب» التي تعيشها بيروت وتبلْور سياسة أميركية جديدة ترمي الى تطويق ايران وأدوارها في ساحات المنطقة. وفي هذا السياق، بدا من الصعب فصْل زيارة السبهان، الذي كان حلّ ضيفاً على بيروت قبل أيام قليلة من انتخاب عون رئيساً في إشارة مباشرة الى «مباركة» الرياض للتسوية التي أوصلته الى قصر بعبدا (في 31 اكتوبر الماضي) وأعادت الحريري الى رئاسة الحكومة، عن رغبة السعودية في تعزيز حضورها واحتضانها للواقع اللبناني الذي يُخشى ان يكون مقبلاً، في ضوء «الهبة الساخنة» في العلاقات الاميركية - الإيرانية ومساعي واشنطن لـ «إخراج» طهران من دائرة التأثير في الملف السوري وساحات أخرى «لاهبة»، على عملية «شد حبال» متجددة من ضمن «حرب النفوذ» وترسيماتها، ولا سيما ان «حزب الله» يبدو في صلب «أهداف» الإدارة الاميركية الجديدة باعتبارها «الذراع» الأكثر فاعلية في المشروع التمددي الايراني في المنطقة. وفي حين اعتُبر قرار تعيين سفير سعودي جديد بعد نحو 5 أشهر من شغور هذا الموقع بانتهاء مهمة السفير السابق علي عواض عسيري وعدم ملء منصبه ليصبح التمثيل الديبوماسي على مستوى القائم بالأعمال (وليد عبد الله بخاري) ورفْع حظر السفر الى لبنان بمثابة قفزتيْن كبيرتيْن في العلاقات بين بيروت والرياض، فثمة مَن يرى ان ما حمله السبهان معه وما سيُستكمل ثنائياً على صعيد بعض الوزارات في البلدين، يعكس حرص الرياض على معاودة احتضان لبنان و«تحصين» التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي وعدم تعريضها لأي «هزّات مبكّرة» على خلفية مأزق قانون الانتخاب، ناهيك عن رغبتها في توجيه رسالة رداً على مَن اعتبر ان الأمور في البلاد عادتْ على صعيد «التوازنات السياسية»، في ضوء وقائع الأيام الأخيرة ومواقف لرئيس الجمهورية من النظام السوري، الى ما قبل مرحلة انتخاب عون. على ان أوساطاً سياسية ترى ان النقطة الأبرز العالقة بين لبنان والسعودية والمتّصلة بهِبة الأربع مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا ودعم القوى الامنية الأخرى تبقى المعيار الفعلي لقياس اذا كانت «بلاد الأرز» استعادتْ موقعها السابق على خريطة الاهتمام السعودي والى ان المملكة «اطمأنّت» الى التموْضع الاستراتيجي للبنان والى خياراته في ما خص مراعاة مصالحها والقضايا العربية. وحسب هذه الاوساط فإن بيروت ما زالت «تحت المراقبة» في ما خص معاودة العمل بالهبة العسكرية الذي يبقى مرهوناً ببروز إشارات عملية حول وقف الحملات ضدّ المملكة من «حزب الله» الذي كانت السعودية اتهّمته قبل عام، اي حين اعلنت تجميد الهبة ومراجعة شاملة للعلاقات مع لبنان، بأنه «يصادر إرادة الدولة»، وايضاً حول انتهاج بيروت سياسات خارجية بعيدة من التأثير الايراني. وخلال اللقاء مع عون الذي تناول الأوضاع الداخلية والاقليمية، نقل السبهان تحيات الملك سلمان وولي العهد الامير محمد بن نايف وولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان. وقال ان زيارته «تأتي لاستكمال البحث في المواضيع التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس عون للسعودية في مجال تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين»، مؤكداً «حرص الملك سلمان على ان يتابع الوزراء في البلدين النقاط التي تم الاتفاق عليها خلال القمة اللبنانية - السعودية التي عقدت في الرياض في الشهر الماضي». وأعلم السبهان، عون «بتعيين سفير جديد للمملكة في لبنان وزيادة رحلات شركة الطيران السعودية الى مطار رفيق الحريري الدولي وعودة السعوديين لزيارة لبنان وتمضية عطلاتهم السياحية فيه». وشكر عون، السبهان على زيارته، وحمّله تحياته الى خادم الحرمين الشريفين وشكره على الاجراءات التي اتخذها في سياق تفعيل العلاقات، مؤكداً ان التوجيهات أعطيت للوزراء لاستكمال البحث مع نظرائهم السعوديين في المواضيع المشتركة.