من المنتظر أن تتناول زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمملكة يوم الأربعاء ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وعددًا من الموضوعات الحيوية الأخرى الخاصة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط والخليج ومنها التطرف المتزايد في المنطقة. وسيعقد الزعيمان جلسة مباحثات ستتناول الوصول إلى اتفاق بشأن الملف السوري وما يحدث هناك من تصعيد يومي لاستهداف المدنيين. كما سيناقش الزعيمان التطورات الخاصة بالملف الإيراني والسلوك المتوقع للإيرانيين بعد ابرام التفاهمات الاخيرة مع الغرب. ومن المنتظر فى الوقت ذاته ان يعاود أوباما التأكيد على الدعم الأمريكي للمملكة في الملفات المهمة مثل سوريا وإيران وتصويب اي مسببات للتوتر الذى شاب العلاقات فى الفترة الأخيرة حسبما رأى المراقبون بعدما ظهرت ملامح قلق خليجي إزاء الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع مجموعة الدول الكبرى (5+1)، حول الملف النووي الإيراني. وسيكون ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حاضرا بقوة على طاولة الاجتماع، وسيتم التباحث حول الأفكار التي طرحت أثناء زيارة أوباما في مارس الماضي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن. وقد لخص نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية بن رودس في مؤتمر صحافي اهداف الزيارة بقوله انها تمثل فرصة مهمة للاستثمار في إحدى أهم علاقات واشنطن في منطقة الشرق الأوسط وبالتأكيد في منطقة الخليج، لمناقشة جدول أعمال واسع جدا يتعلق بالدعم المستمر لأمن الخليج ودعم المعارضة السورية. واضاف: ان جدول الأعمال يتضمن ايضا مناقشة مفاوضات السلام الجارية في الشرق الأوسط فضلا عن المفاوضات النووية مع إيران وقلقنا المشترك حيال الخطوات التي تتخذها إيران وتزعزع من خلالها الاستقرار في أنحاء المنطقة كافة. ونظرًا لدور المملكة الفاعل في حفظ السلام في الشرق الأوسط واستقراره وجهود المملكة لحل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وخاصة فى تلك الظروف الدقيقة التى تمر بها الكثير من الدول العربية، تبذل الدبلوماسية السعودية في السنوات الأخيرة جهودًا مضنية لتحقيق الاستقرار بالمنطقة فى إطار الرؤية الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - بما يحقق المصالح الوطنية للمملكة ويبرز الصورة الحضارية المشرقة لها. وقد استطاعت العلاقات السعودية - الأمريكية منذ وقوع الاحداث الارهابية منذ عام 2001 تجاوز كافة العقبات والصعوبات والعودة إلى الإطار التاريخي الطبيعي الذي جمع بين البلدين. وقد شهد مسار العلاقات نقلة نوعية واضحة منذ زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للولايات المتحدة عام 2005م، وقد صححت هذه الزيارة الكثير من المفاهيم المغلوطة كما بددت الشكوك وتركت انطباعات ايجابية لدى مختلف الأوساط وأعادت الأمور إلى نصابها الصحيح. علاقة تاريخية وللمملكة أهمية كبرى في حسابات الدول الأقوى في العالم بسبب مكانتها السياسية الرفيعة وموقعها الاستراتجي الهام وقدرتها على التأثير في الأحداث بالمنطقة وامتلاكها أضخم احتياطي للنفط في العالم. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أبدت الولايات المتحدة اهتماما أكبر للدفاع عن شركاتها النفطية واستثمار وجودها العسكري، فأرسلت أول بعثة عسكرية أمريكية في ديسمبر عام 1943م بعد الزيارة التي قام بها الجنرال رويس القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى المملكة واتفق خلالها مع الملك عبدالعزيز على إقامة مطار كبير بالظهران بالقرب من آبار النفط وبدأ العمل بإنشاء قاعدة الظهران الأمريكية عام 1944م وأنجزت عام 1946م لتصبح من اكبر القواعد العسكرية في المنطقة العربية وجنوب غرب اسيا مترجمًا بذلك التصريح الشهير للرئيس الأمريكي روزفلت في فبراير عام 1943م بأن المملكة أصبحت من الآن فصاعدًا ذات ضرورة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة. وبحكمة الملك المحنك أدرك الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الحاجة لمدّ جسور العلاقة مع الولايات المتحدة - الدولة العظمى- مستشرفًا أهمية قيام علاقة متينة بين البلدين تلبي مصالح الطرفين وتحقق العديد من المكاسب. وانطلاقًا من هذا الإدراك السياسي والنظرة الإستراتيجية الثاقبة قام الملك المؤسس باستقدام مجموعة من المهندسين الزراعيين من الولايات المتحدة وأوكل إليهم مهمة البحث عن المياه في مناطق المملكة كما منح شركات النفط الأمريكية امتياز التنقيب عن النفط في أراضي المملكة. وفي عام 1945م كان اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز - رحمه الله - والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسي، ووصلت المساعدات الأمريكية إلى مائة مليون دولار مطلع 1947 وفي سنة 1948م دخلت قطع بحرية أمريكية مياه الخليج لأول مرة ورفعت درجة المفوضية الأمريكية في جدة إلى درجة سفارة، كما تم تقديم المساعدة الفنية للسعودية. وفي 18 يونيو1951م وقعت اتفاقية دفاع مكّنت السعودية من شراء أجهزة حربية أمريكية وقيام المدربين الأمريكيين بتدريب الجيش السعودي. وفي 1957 اصبح الملك سعود - رحمه الله- أول ملك سعودي يزور الولايات المتحدة، واجتمع مع الرئيس دوايت ايزنهاور وكان ذلك بعد دور ايزنهاور الرئيس في وقف العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر. تعزيز المصالح وفي الستينات ومطلع السبعينات بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة اندفعت الولايات المتحدة نحوالخليج في محاولة لملء الفراغ الذي سينشأ عن هذا الانسحاب ودرء محاولات الاتحاد السوفيتي للسيطرة على الخليج. وفي فبراير1962، زار الملك سعود - رحمه الله- الولايات المتحدة مرة اخرى واجتمع مع الرئيس جون كيندي ومن المواضيع التي بحثها تنسيق التعاون بين المملكة والبنك الدولي ومؤسسات الامم المتحدة الاخرى واستعداد الحكومة الامريكية للتعاون مع المملكة في الاستفادة من عائدات البترول بما يفيد المملكة ويزيد النموالاقتصادي فيها. وفي 1966، قابل الملك فيصل - رحمه الله - الرئيس لندون جونسون، واستأنف معه اتصالات سابقة عن طريق السفير الأمريكي في الرياض بتأسيس مشاركة سعودية امريكية لمشروعات التنمية في المملكة. وفي 1971 قابل الملك فيصل الرئيس ريتشارد نيكسون وجدد طلب طائرات لسلاح الجو الملكي السعودي. وكانت الولايات المتحدة طبقت مبدأ نيكسون الذى أعلنه في جزيرة غرام في المحيط الهندي في يوليو1969م الداعم للأنظمة المؤيدة للولايات المتحدة والمزود للدول الحليفة للولايات المتحدة بدرع واق مع تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية المطلوبة. وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973م واتخذ الملك فيصل - رحمه الله - قرار حظر النفط عن الدول المساندة لإسرائيل ومنها الولايات المتحدة الأمريكية مارست واشنطن ضغوطًا كبيرة على الملك فيصل. ولكن كان لموقف فيصل العامل الابرز فى تحقيق النصر المصري العربي على اسرائيل فى 6 اكتوبر عام 1973. وتم التوصل بعد ذلك إلى اتفاقية شاملة بين المملكة والولايات المتحدة للتعاون الاقتصادي بحيث يتم التشاور والتنسيق في كافة الجوانب بين البلدين في القضايا النفطية والمالية والاقتصادية الأخرى في الثامن من يونيو1974م. وفي 1974، زار الرئيس نيكسون المملكة، وقابل الملك فيصل، وكان أول رئيس أمريكي يزور المملكة وبحث الملك والرئيس زيادة التعاون بين البلدين وتأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية الأمريكية المشتركة. ومن ذلك الحين تعززت الشراكة بين البلدين وأصبحت واشنطن تعتمد إلى حد كبير على المملكة للتخفيف من حدة زيادة الأسعار النفطية في المنطقة. وفي 1978 زار الرئيس جيمي كارتر الرياض واجتمع مع الملك خالد -رحمه الله- وبحثا، بالإضافة إلى تقوية العلاقات بين البلدين، مشروع الرئيس كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل، والذي بدأ باتفاق أمريكي روسي في جنيف. صعود وهبوط وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات انتهجت واشنطن إستراتجية جديدة عرفت بمبدأ كارتر في عام 1980م والذي يقضى بأن أي اعتداء على الخليج يُعد اعتداء على المصالح الأمريكية وأصبح الخليج ثالث اعظم منطقة حيوية للمصالح الأمريكية بعد الولايات المتحدة نفسها وأوروبا الغربية. وفي 1985 قابل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- الرئيس رونالد ريجان في واشنطن. وكانت العلاقات بين البلدين قد تحسنت كثيرًا خلال ادارتي ريغان الاولى والثانية، ولعب ريجان دورًا كبيرًا في إجازة بيع طائرات «اواكس» للمملكة. واستمر التعاون بين البلدين في التسعينات الذي شهد الغزوالعراقي للكويت، وفي 1990، زار الرئيس جورج بوش (الاب) المملكة وقابل الملك فهد -رحمه الله- وبحثا العدوان العراقي على الكويت. كما تفقدا القوات الدولية التي كانت قد بدأت تصل استعدادًا لعملية «عاصفة الصحراء». وفي 1994، زار الرئيس بيل كلينتون المملكة، وقابل الملك فهد -رحمه الله- في قاعدة حفر الباطن، وبحثا العلاقات بين البلدين، وتطبيق قرار مجلس الأمن بمقاطعة العراق. وفي 1998 قابل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان وقتها وليا للعهد الرئيس بيل كلينتون، وبحث الزعيمان العلاقات بين البلدين وتدهور الوضع في العراق بسبب رفض العراق تنفيذ قرارات مجلس الأمن مما ادى الى عملية «ثعلب الصحراء» الامريكية البريطانية ضد العراق. ثم أصيبت العلاقات مجددا بانتكاسة واضحة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر رغم دخول المملكة بقوة في الحرب الدولية على الارهاب، ثم الغزوالأمريكي للعراق في مارس 2003. ولكن ساعد البلدين في الحفاظ على العلاقات القوية الرؤية الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين بالحفاظ على تميز العلاقات مع كافة الدول والعمل على تجاوز الخلافات. أما حرب العراق عام 2003 فقد كانت نقطة خلافية واضحة، فقد حذرت المملكة من وقوع كارثة إنسانية كبيرة في حال القيام بهجوم على العراق، وقالت إن مثل ذلك الهجوم سيعرض استقرار منطقة الخليج للخطر، ودعت إلى إعطاء الجهود الدبلوماسية فرصة إضافية. وقد أثبتت الايام حكمة الرؤية السعودية بعدما أسفرت الحرب وما تبعها عن خسائر بشرية واقتصادية هائلة للمنطقة. ومنذ ذلك الوقت والعلاقات السعودية الامريكية بين مراحل صعود وهبوط واتفاق فى وجهات نظر واختلاف فى اخرى خاصة فيما يتعلق بملف ايران وسوريا وايضا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولكن دون ان يؤثر ذلك على قوة العلاقة والاهمية التى يدركها البلدان للحفاظ على المصالح المشتركة. وكان الرئيس الامريكي أوباما قد التقى مع خادم الحرمين الشريفين للمرة الأولى قبل زيارته للمملكة بشهرين في لندن وتحديدًا في شهر أبريل 2009 على هامش قمة العشرين. وجاء اللقاء الثالث في البيت الأبيض خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لأمريكا في يوليو2010. وبين اللقاء الأخير واللقاء المرتقب حدثت تطورات سريعة ومتلاحقة على كافة المستويات، استدعت ضرورة التنسيق للتعامل معها بشكل يضمن الاستقرار للمنطقة. الاقتصاد .. أولوية قصوى أما العلاقات الاقتصادية فهى فى تنام وتصاعد مستمر. لقد تبنت المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله مبدأ الحرية الاقتصادية والانفتاح، وقد حققت المملكة بفضل الله ثم بفضل هذه السياسة المتوازنة معدلات نمو اقتصادية مرتفعة مكنت الاقتصاد السعودي من أن يحتل مكانة متقدمة على خريطة الاقتصاد العالمي. وتوصف العلاقات الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة بأنها علاقة استراتيجية تبادلية، فالمملكة تعتبر أكبر منتج ومصدر للنفط على مستوى العالم والاقتصاد الأمريكي هوأكبر قوة اقتصادية عالمية ومن أكبر مستهلكي النفط في العالم. ولذلك سعت الولايات المتحدة لتفعيل علاقاتها الاقتصادية على وجه الخصوص مع المملكة خلال العقود الماضية من خلال تنمية التبادل التجاري وتهيئة المناخ المناسب لمثل هذه المتطلبات كالتفاهم السياسي والتعاون الأمني وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة، وهو ما تم بالفعل قبل أن تضم المملكة لمنظمة التجارة العالمية. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2013م إلى (282) مليار ريال منها (199) مليار ريال صادرات المملكة إلى أمريكا و(83) مليار ريال واردات المملكة منها. وتعتبر المملكة الشريك التجاري الـ 12 الأكبر في العالم وهى ثامن أكبر مصدر للواردات لدى الولايات المتحدة.