له من اسمه أكبر نصيب، نحن هنا نتحدث عن جبل تبلغ مساحته 14كم2 وينتصب شامخاً إلى أكثر من 700 متر فوق سطح البحر، إنه جبل دخان الحدودي في محافظة الحرث والذي يطلق عليه جنود الحزم اسم جبل الانتصارات، هذا الجبل هو الهدف العسكري الأكبر للمليشيات الحوثية منذ انطلاق عاصفة الحزم، فهم يحاولون بشكل يومي أن يكون لهم موضع قدم فيه، ولكن هيهات وكفى، لو كتب الله عزّ وجلّ لصخور هذا الجبل أن تنطق، لروت لنا ألف ليلة وليلة من الشموخ والصمود لجنودنا البواسل، وألف ليلة وليلة من الهزائم والخيبات للمليشيات الانقلابية، كنا على موعد مع التاريخ في ليلة غاب عنها ضوء القمر، لا صوت يعلو هناك فوق أزيز الرصاص، ولا لغة تعلو فوق لغة الحزم، في تلك الليلة حاول عشرون حوثياً بائساً الاقتراب من خط التماس، بعد أن ربطوا أغصان الأشجار حولهم ليصبحوا وكأنهم شجيرات متحركة، أساليب المليشيات القديمة مثيرة للضحك أحياناً وأحياناً للشفقة، نحن يا سادة نقاتل أناساً يفكرون بطريقة عسكرية بدائية، فالمنظومة الحرارية الأمنية لا تخدعها أساليب التمويه القديمة المستهلكة، وبعد أن أصبحوا في مرمى نيران الأسلحة المختلفة تمترسوا بأخدود صخري عميق في انتظار ساعة الصفر بالنسبة لهم وساعة النصر بالنسبة للجنود المرابطين، كان يرافقنا المقدم الركن الطياش بن شايع الدوسري، الطياش يعرف مسالك الجبل كما يعرف مسالك أوردته، فما إن أعلن الليل سطوته اللونية على البشر والحجر، حتى أصبحت الجبال والوديان والكهوف والشعاب تحت سطوة أزيز رصاص الحزم، المتسللون تحت عيون جنودنا يشاهدونهم وهم يزحفون ويتحركون ويمضغون القات، نعم ولست هنا من المبالغين المنظومة الأمنية الحرارية تجعل من الأجسام كتلة من الضوء، فلا يحتاج المراقب الخبير إلى جهد يذكر حتى يكتشف أين وصل الانقلابيون في محاولاتهم البائسة وماذا يفعلون في كل لحظة، هنا كانت الأوامر واضحة هو التعامل الحازم في لحظة خروج الأعداء من الأخدود الصخري الذي يقع في الأراضي اليمنية، في تلك اللحظة كنت أتنقل بين الجنود رفقة الطياش (بو تركي)، يبدو أن هذه الليلة لا تختلف كثيراً عن غيرها من الليالي، الكل متحفز، الكل مستعد، الأصابع تحتضن الزناد، هنا قال لي بو تركي يا محمد هذه الليلة نحن نقاتل الريح والعدو، الرؤية منعدمة والريح تعاكسنا، والعدو كالعادة في الجحور، لكن النيران في انتظارهم، قالها بلغة العسكري المحنك الواثق بالله ثبشجاعة جنوده، ما هي إلا ساعة واحدة قرر فيها المتسللون أن ينتحروا، فما إن أصبح كل المتسللين خارج الأخدود حتى اشتعلت الصخور من حولهم بنيران الحسم والعزم والحزم، أقل من ربع ساعة وأصبح المتسللون في خبر كان، بينما انقسم جنودنا إلى قسم يرابط وقسم يؤدي صلاة الشكر على توفيق الله ونصره، صخور جبل الانتصارات أصبحت كصفحات التاريخ تضم بين ثناياها تكبر جنودنا وأنفاس المرابطين وبقايا أشلاء المعتدين، كم أتمنى أن يكون هناك فريق صحفي محترف من أبناء الحزم لتوثيق هذه الصفحات الناصعة من تاريخ الأمة، هناك قصور إعلامي كبير في توثيق انتصارات جنودنا في كافة الميادين، المئات من القصص يومياً يطويها الزمن بعيداً عن عدسات الكاميرات ونشرات الأخبار، لذا أعتقد أن مسؤولية التوثيق هنا أصبحت من أهم الحاجات الملحة في زمن التضليل وصناعة الوهم، قصتنا تتحدث عن جبل الانتصارات وجنود الحزم وعن قائد ميداني يعرف النصر ويعرفه. لمحة عصام درويش، هذا الشاب المصري هو المصور الحربي الذي يرافقني، ورغم أنني عملت مع عشرات المصورين خلال حياتي المهنية، إلاّ أنّ هذا الشاب يمتاز بالإحساس بالصورة وكذلك الشجاعة الميدانية، عصام نموذج مشرف للمصور الحربي الذي يدوّن التاريخ بالصوت والصورة.