عندما كان تجاذب الفرص الاستثمارية الأجنبية يعتمد بشكل كبير على التهيئة الاقتصادية التي توفرها الحكومات لبلدانها، ومنها يظهر الأمان وتتسع الساحات بشتى المجالات المؤهلة التي يتطلبها المستثمر الأجنبي لكي يضع فيها أمواله بمتطلبات جيدة تضمن له النجاح والاستقرار.. هكذا وجدنا التحدي الذي يواجه مشاريع التنمية في شتى المواقع، والذي برهنته حكومتنا الرشيدة على الاستمرار في الإصلاحات؛ بهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ومعالجة التحديات الديموغرافية.. وما زال دور المملكة يتعاظم دوليا في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي ومعالجة الكثير من مشاكل الفقر في المنطقة والعالم. وما أسعدنا أكثر أنه في الوقت الذي تشهد فيه عدد من الدول الصناعية تراجعا في تصنيفها الائتماني أعلنت وكالة فيتش العالمية للتنصيف الائتماني أخيرا عن رفعها لدرجة التصنيف السيادي للمملكة من «AA -» إلى «AA» مع نظرة مستقبلية مستقرة، ما يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني ويجعله أكثر جاذبية للاستثمار. فيما كان للخبرات والاستثمارات إسهام كبير في تأهيل الكوادر السعودية الشابة والمساعدة على ضخ دماء جديدة على درجة عالية من الكفاءة في القطاع الخاص.. وجذبت المملكة استثمارات أجنبية كبيرة وصلت في الفترة الماضية إلى 600 مليار ريال. تلك الأهمية التي اكتسبتها المملكة وميزتها كشريك فعال ومميز في المشهد العالمي ترجع مكتسباتها لعضوية المملكة الفاعلة في مجموعة العشرين وبمركز متقدم في قائمتها من حيث إجمالي ناتجها المحلي وتأثيرها الكبير في اقتصاديات العالم.. فلقد كان نمو الناتج المحلي الحقيقي في المملكة العام الماضي 2013 بنسبة 3.8%، وتلك النسبة تزيد على معدل نمو الاقتصاد العالمي في الفترة نفسها البالغة نحو 2.9%.. وقد نما الاقتصاد السعودي خلال عام 2014، ومن المتوقع أن يبلغ نحو 4.4%.. فضلا عن موقع المملكة في سوق النفط العالمية وامتلاكها لأكبر احتياطي عالمي ودورها الإيجابي في تعافي الاقتصاد العالمي من أزمته الاقتصادية التي شهدها في السنوات الماضية. والمتأمل في الفكر الاقتصادي العالمي يجد أنه قد احتلت عقول الاقتصاديين منذ مئات السنين توليد نظريات تتراوح في التركيز، بدءا من «آدم سميث» الذي اعتمد على التخصص وتقسيم العمل إلى تركيز الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد على الاستثمار في رأس المال المادي والبنية التحتية.. وفي الآونة الأخيرة اتجه الفكر إلى الاهتمام بآليات أخرى مثل التعليم والتدريب والتكنولوجيا المتقدمة واستقرار الاقتصاد الكلي والحكم الرشيد وتطور الشركات وكفاءة الأسواق وغيرها.. في حين أن جميع هذه العوامل من المرجح أن تكون مهمة للقدرة التنافسية والنمو. ولكن وجب علينا التركيز على التحدي الأكبر الذي يواجه مشروع التنمية بأن نحول شبابنا إلى قوة معرفة وطاقة للتغيير والتصنيع.. في ظل ما يبذل وخاصة من قروض صندوق التنمية الصناعية البالغة العام الماضي 144 قرضا، وبلغ إجمالي اعتماداتها 6.68 مليار ريال بزيادة نسبتها 6% مقارنة بعدد القروض المعتمدة في العام الذي سبقه.. وساهمت هذه القروض في إقامة 120 مشروعا صناعيا جديدا وتوسعة 24 مشروعا قائما.. وقد بلغ إجمالي استثمارات هذه المشاريع 14.5 مليار ريال، ويتوقع أن تعمل لتوليد فرص عمل مباشرة تتجاوز 11 ألف وظيفة.. وذلك يعطينا قوة دافعة أكبر للتحدي والعزيمة للحفاظ على مقدرات هذا الوطن الغالي الذي لا يبخل على أبنائه في شيء بفتح باب الاستثمار للجميع للوصول للغاية الكبرى بتنمية مستدامة تنعم بها الأجيال الحاضرة والقادمة. ولكن المشكلة الكبرى ما يحدث من هدر للثروات، ومنها الكهرباء، ونقول: قد آن الأوان للمعاقبة بتحديد رقم مكيفات بملكيتها للمواطن مثل ما فعلت الصين الأكثر سكانا، فيما نجد أن السعودية الأكثر استهلاكا للكهرباء المنزلية للفرد في العالم بمعدل ٧٠% من إجمالي الطاقة.. والمشكلة الأخرى تتمثل في صعوبة استخراج التراخيص اللازمة من جميع الجهات لمزاولة التجارة للشركات العامة، ولا سيما الشركات الصغيرة، إذ يجب على أي وطن أن يكون ٣٠ ــ ٤٠% من النمو الاقتصادي ناتجا من الشركات الناشئة لتجديد الروح والاستمرارية في الإبداع والعطاء. ولحل المشكلة التجارية يمكن فرض عقوبات على أصحاب المهن مثل المكاتب الهندسية أو الاستشارية أيا كانت بدلا من التجار أنفسهم؛ لأنه لا حول لهم ولا قوة، وأكاد أجزم أن تجار السعودية عامة يتميزون بالسخاء ولا يبخلون على الاستشاريين.. فإن ما يضعف وطننا هم بعض من أصحاب المهن العامة، لعدم وجود عقوبات رادعة؛ لذا يجب ذلك وبسرعة لكي يبدأ إحسانهم في عملهم، وبذلك يتم الامتياز والناتج الحكومي، وبالتالي النمو الاقتصادي للشركات عامة والناشئة خاصة. mak@shababco.com