بيت الحنبولي وبيت عشماوي ووقف الجمجوم أصبحت في ذمة التاريخ، بعد أن ضمها الحريق الذي نشب أول أمس في بيوت جدة التاريخية إلى قائمة الموتى من بيوت جدة التاريخية، التي قضت نحبها حرقا أو هدما أو تداعت كجسد تتآكل مفاصله ويتفسخ جلده. ثلاثة بيوت تاريخية تجاورت في الحياة، وقررت أن تموت في وقت واحد، تاركة وصية أن تلحق بها بقية البيوت عاجلا بدل أن تنتظر طويلا، ما دام الهدم أو الحرق هو المصير الذي يتربص بها في نهاية الأمر. ثلاثة بيوت تاريخية فقدتها جدة دفعة واحدة أضافت إلى ملف جدة المعروض على اليونسكو ورقة جديدة تؤهلها للدخول في قائمة المناطق التاريخية المؤهلة للانقراض. حريق أتى على ثلاثة بيوت، والدفاع المدني يبحث عن الأسباب، وكأنه قد عرف الأسباب التي وقفت وراء احتراق سبعين بيتا من بيوت جدة التاريخية قبل ذلك. جدة التاريخية تتهاوى كبيوت، غير أن الأخطر من ذلك أنها تتهاوى كتاريخ لا يزال يسكن ذاكرة بعض كبار السن الذين كلما لقي واحد منهم وجه ربه تهاوت معه بيوت من ذاكرة التاريخ فطواها النسيان. وإذا أصبح من الميؤوس منه أن تحتفظ جدة بمبانيها التاريخية بعد أن أثبتت الأيام والتجارب أن هذه البيوت ليست أكثر من بيت احترق، وبيت تهدم، وبيت في انتظار الاحتراق والهدم، إذا أصبح هذا هو مصير جدة التاريخية، فإن أقل ما يجب هو أن يتم تدوين تاريخ جدة وبيوتها وتحويله من تاريخ شفاهي إلى تاريخ مكتوب، وإذا كانت الأجيال القادمة لن ترى بيت عشماوي ولا بيت حنبولي ولا وقف الجمجوم، وهي البيوت التي أكلتها النار أول أمس، فإن من حق جدة على أهلها أن تقرأ الأجيال القادمة تاريخ هذه البيوت وتاريخ الحياة التي كانت تدور فيها وتدور حولها. أخطر من احتراق بيوت جدة احتراق تاريخها، فهل سيحترقان معا؟.