العِرق والدين أهم أدوات تقاطب المجتمعات البشرية. ومن جراء هذا التقاطب اُقترفت أبشع الجرائم وشنت أشرس الحروب. وبرغم أن القوى الاستعمارية استغلت هذه العوامل لتأجيج الاقتتال الداخلي إلا أنه ناب عن القوى الداخلية قوى محلية في البلاد العربية. ليس من بلد عربي إلا ويعاني من هذا التقاطب. شيعة وسنة متدينون وعلمانيون إخوان وآخرون عرب وأكراد عرب وأمازيغ مسلمون وغير مسلمين ثم تفنن المتحمسون في كل فريق ليس لإظهار محاسن قطبه ولكن لعرض مساوئ القطب الآخر وفي الغالب يصاحب هذا الحماس كذب وتزييف واستغلال لأحداث تاريخية لتعميق الهوة بين أقطاب المجتمع. وبمثل ما فعل القطب الأول يقوم القطب الثاني بذات الجريمة ويهاجم القطب الآخر ويصفه بأقذع الأوصاف. وماهي إلا برهة حتى يصبح العدو الأول في ذات الحي وذات المدينة أو في العمل أو في منطقة من الوطن. طبعاً هناك من يستفيد من هذا التقاطب والمعارك الجانبية التي يسميها المتدينون بالغزوات ويسميها الفريق الآخر بالإرهاب فيفسح لها المجال فيشتغل بها الناس وتأخذ الأولوية الأولى في اهتماماتهم. ولئن كانت السياسة تستخدم تلك الآلية كأحد عوامل التمكين لها ويمثل ذلك العصر الأموي الذي أتقن التقاطب على المستوى الطائفي والأدبي، إلا أن المحزن أن الخاسرين هم المقتتلون وهم المتقاطبون. وهذا يذكرني بما حدث بين الأحناف والشافعية في عصور خلت من التخلف بعد أن قضى العلماء وتسنم المقلدون مواقع الإفتاء في تلك المذاهب. فقد حرم فقهاء كل مذهب الزواج من المذهب الآخر بينما أجازوا الزواج من الكتابية. وبما حدث في الأندلس من حروب طاحنة بين اليمانية والقيسية استخدم فيها الدين والتكفير بينما دوافعه في الأساس مكاسب قبلية بحتة. استمر هذا التقاطب بل وتوسع مع الوقت. بعد أن نالت الدول العربية استقلالها كانت تحمل من عوامل التقاطب مايكفي لتدميرها، وبدلاً من أن يتم استغلال ذلك التنوع لإثراء الدول الحديثة تم التعامل معه كأدوات سياسية للتمكين نتج عنها بروز التباين العرقي والعقدي والفكري. لم يعد هناك بلد عربي يخلو من هذا الداء. وبرغم أن التقاطب الداخلي يبدأ بالكلمة والخطبة والمحاضرة والكتاب والصورة والفيلم إلا أنه ينتهي بهم إلى حمل السلاح والاقتتال. ولئن كانت القوى السياسية قادرة على إدارة الصراع الداخلي لصالحها، إلا أنه سيأتي اليوم الذي يفلت منها زمامه كما حدث في العراق وسورية واليمن ولبنان والسودان ومصر وليبيا. إن التقاطب وعدم استيعاب الأفكار والطوائف والأعراق يعتبر سرطاناً في كل جسد عربي، مزق بعض الدول وسيمزق البقية إلا أن يجابهوا التقاطب بالاستيعاب.