×
محافظة المنطقة الشرقية

برنت مستقر قرب «108» دولارات ويتجه لأول مكسب أسبوعي منذ فبراير

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي من مصادر الفتن الطائفية التي تسود في بعض مجتمعات العالم العربي الإسلامي اليوم، الفهمُ غير السليم للمقاصد الشرعية، والتأويلُ المنحرف للنصوص الدينية، فضلاً عن التطاول على الفتوى من دون فقه أو علم، حتى اعتلى منابر الفتوى من ليس مؤهلاً لها، مما يُحدث الفوضى والبلبلة وينتج من ذلك ما يمكن أن يسمى «الانفلات الديني»، إن صحَّ التعبير، الذي هو المدخل إلى الانفلات الأمني الذي يفتح الأبواب للتطرف والإرهاب بكل أشكالهما. لقد أصبح واضحاً أن الآفة الكبرى التي تهدّد الأمن والسلم والاستقرار في العالم العربي الإسلامي، هي التطرف المؤدي الى الإرهاب الذي يتخفى الضالعون فيه والممارسون له والمشجعون عليه وراء ستار الدين ويرفعون شعار التقوى، ولكنه تدين مغشوش وتقوى مزيفة، فليس في الإسلام تطرف أو إرهاب، وإنما في أحكامه وتعاليمه ومنظومته الخلقية، الاعتدال والوسطية، وفيه دعوة إلى السلم والتسامح بالتي هي أحسن. كما أنه ليس من الإسلام الإفسادُ في الأرض وقتل الأبرياء وترويع الآمنين وخراب المنشآت ودمار المدن والقرى تحت أي دعوى من الدعاوى وفي أي ظرف من الظروف، ورفع رايات الإسلام لخداع البسطاء، ولتضليل الناس، باسم الجهاد في سبيل الله. وليس ذلك من الجهاد في شيء، وليس ذلك عملاً في سبيل الله، وإنما هو إرهابٌ إجرامي يتحمّل وزره من يمارسه ومن يقف وراءه، ويحرّض عليه. ولما كان الإرهاب يأتي من التطرف، وكان التطرف في فهم الدين الحنيف مصدرُه الجهل أو الفقه المعتل، وكان ذلك كله سبباً في شيوع النزعات الطائفية وذيوع الأفكار التكفيرية، على تعدد مصادر التكفير، فإن الأمر يتطلب دراسة علمية لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تهدد السلم الأهلي بين أهل القبلة، كما تهدد الأمن والاستقرار في العالم العربي الإسلامي، للوقوف على الأسباب والدوافع، وللوصول إلى الحلول للمشاكل المترتبة على ذلك، ولعلاج آفات التطرف والعنف والإرهاب وقطع دابرها. وفي هذا الإطار، جاء «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» الذي عقد يومي 9 و10 آذار (مارس) الجاري في أبو ظبي، والذي بحث في اتساع نطاق استباحة حرمة الأنفس والأعراض والأموال، وفداحة آثاره على أمنها النفسي والاجتماعي واستنزافه لطاقاتها البشرية والاقتصادية، مما يهدد بتفتيت جسم الأمة وإعادة تقسيمها، ساعياً إلى تقوية المناعة الذاتية لديها ضد التطرف والعنف والإرهاب كيفما كان اتجاهه ومصدره. وقد رسم المنتدى في التوصيات الصادرة عنه، معالم خطة عمل تحت عنوان «سبل العلاج»، كان من بينها الدعوة إلى أن تتجه المجتمعات المسلمة، أفراداً وجمعيات وتنظيمات سياسية وحكومات ودولاً، إلى التعاون على البر والتقوى، وتقديم المصالح، العليا للإنسان وللأوطان على المصالح الخاصة، واعتماد الحوار والتوافق منهجاً وحيداً لتحقيق التنمية الشاملة، ونشر ثقافة السلم بعد أن ضمرت وضعفت وخلا الجو لثقافة العنف والاقتتال وانتزاع الحقوق بكل الوسائل مهما بلغت تكلفتها البشرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبناء مشروع تربوي متماسك وملائم للعصر ينطلق من مقومات الأمة ومصادرها، ويعلي من قيم التعايش السلمي والوئام والتسامح واحترام التنوّع والاختلاف. وقد خرج المنتدى بتوصية مهمة حول تأسيس «مجلس إسلامي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» يضم صفوة من ذوي الحكمة من علماء المسلمين وخبرائهم ووجهائهم، ليسهموا في إطفاء الحرائق قولاً وفعلاً. واقترح المنتدى أن يسمى «مجلس حكماء المسلمين»، وتوصيتين حول إيجاد صيغة مشتركة بين البلدان الإسلامية لتنسيق تحفظاتها على بعض بنود المواثيق الدولية، والاستفادة من كل الاستراتيجيات الهادفة إلى نشر ثقافة السلم وقيمه، مما راكمته البشرية بخبرتها الطويلة من وسائل وآليات حل النزاعات كمؤسسات التحكيم والوساطة الدولية. وتلك وسيلة من جملة عدة وسائل لتعزيز السلم الأهلي في المجتمعات الإسلامية، ولمواجهة النزعات الطائفية التي تمزق النسيج المجتمعي العربي الإسلامي. ولقد تبيّن من العروض التي قدمت إلى المنتدى، أن ثمة علاقة عضوية بين الإرهاب وبين فساد التربية والتعليم واعتلال الثقافة وانحرافهما عن السبل السليمة. وكانت الخلاصة التي خرج بها المشاركون في المنتدى، وهم نخبة من القيادات الدينية والعلمية والفكرية، أن منع الإرهاب والعنف والتطرف بتجفيف المنابع، ينطلق من التربية والتعليم والثقافة، بموازاة مع الوسائل الأمنية والطرق الجنائية. ومن هنا كان للتربية والتعليم والثقافة الأثر الذي لا يمكن الاستهانة به لمكافحة ظاهرة الإرهاب، من خلال تجفيف الينابيع الآسنة التي تغذيه، وعبر وسائل التوعية، ومن طريق التربية والتعليم القويمين البانيين للشخصية السوية، والثقافة المنفتحة التي تحترم كرامة الإنسان وحقوقه بما يُكسب الإنسان في العالم العربي الإسلامي مقومات الاستقامة، ويقوّي في نفسه دوافع الحرص على احترام القوانين، والتقيد بالضوابط الأخلاقية، وعدم الإضرار بسلامة المجتمع، والنأي بالنفس عن العنف بكل أشكاله. هذه التوصيات والأفكار تحتاج إلى إرادة سياسية واعية وحازمة لوضعها موضع التطبيق العملي. فهل نحن فاعلون؟     * أكاديمي سعودي