هل تقدر الخرطوم على طرد الإخوان هل يمكن للرئيس السوداني عمر البشير أن يغامر في ظل الظروف الراهنة ويقطع مع الإخوان المسلمين؟ أم أن ما تردد من أنباء عن طرد الخرطوم لمجموعة من الإخوان ليس سوى خطة لمواكبة التطورات الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي، التي تفرض على الخرطوم السير على منهج حلفائها القدامى الإيرانيين في اعتماد التقية في التعاملات، بحيث يبدو في العلن معاديا للإخوان ومسايرا لتوجهات أميركية مرتقبة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، فيما يقصد عبر ما تردد مؤخرا من أخبار عن طرد الخرطوم لمجموعة من الإخوان، توجيه رسالة إلى إخوان السودان بعدم الذهاب بعيدا في معارضته حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير الجماعة الأم، ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد: مسايرة الموقف الدولي ضد الإخوان وردع أي قلق يحوم حول نظامه. العربهشام النجار [نُشرفي2017/01/31، العدد: 10529، ص(6)] أصوات مقلقة القاهرة – تفادى النظام السوداني الاضطرابات القاتلة التي شهدتها أنظمة عربية أخرى على مدى الأعوام الماضية، إلا أن ذلك لا يضعه ضمن دائرة الأمان؛ فوضع النظام الحاكم في الخرطوم منذ انقلاب عام 1989 بات أكثر هشاشة منذ انفصال جنوب السودان الغني بالنفط، ما حرم الشمال من عائدات يحتاجها بشدة، وأدخل البلاد في ضائقة اقتصادية تزداد حدة يوما بعد يوم مولدة احتقانا اجتماعيا زاد من خطورته التضييق على حرية التعبير. وفي مواجهة الخصوم في الداخل والمعارضة النشطة في الخارج والعقوبات الدولية، وحركات التمرد التي لا تزال نشطة قرب الحدود مع جنوب السودان والصراع في منطقة دارفور بغرب البلاد، اختار عمر البشير أن يعيد توجيه بوصلة سياسته الخارجية، فكانت محاولة العودة إلى الحضن العربي عن طريق توطيد العلاقات مع السعودية والمشاركة في عاصفة الحزم في اليمن وإعلان قطع العلاقات مع إيران. لكن ذلك وحده لا يضمن الأمان لنظام الخرطوم في ظل التطورات الإقليمية الراهنة التي استوجبت مراجعة أخرى تطال هذه المرة عصبا هاما في عضد هذا النظام ألا وهو الإسلاميون، متمثلين أساسا في الإخوان، الذين كان عمر البشير من أهم المستفيدين منهم للوصول إلى السلطة، لكن يمكن مراجعة الحسابات معهم عندما تقتضي المصلحة ذلك. وأحدث التطورات في علاقة نظام عمر البشير بالإخوان ما راج خلال الأيام القليلة الماضية من أخبار تتحدّث عن قيام النظام السوداني بطرد ناشطين إسلاميين محسوبين على جماعة الإخوان وحلفائها. لم يتأكد الخبر من مصادر رسمية من الجهتين الإخوانية (المصرية) أو الجهات السودانية، إلا أن صحفا ومواقع مصرية نقلت نفيا لتلك الأنباء على لسان مصادر وصفت بالموثوقة. وشددت على أن هذه الحملة مناورة سودانية لمسايرة المستجدات الدولية المتعلقة بموقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والبعض من دول أوروبا من جماعة الإخوان المسلمين، كي لا يعاد النظر في الموقف الأميركي الجديد بشأن تحسين العلاقات مع السودان ورفع العقوبات عنه. ووضع متابعون في القاهرة في ردهم على تساؤل حول هل تخلت الخرطوم عن الإخوان ما قيل عن طرد السودان لعدد من الإخوان في سياق التخطيط الوقائي الذي يسعى من خلاله النظام السوداني إلى امتلاك أوراق بديلة لمواجهة تحديات خارجية وداخلية ضخمة. تعتبر باكستان القوة النووية الوحيدة الرسمية في العالم الإسلامي ويعد ذلك مكسبا لأي تحالف عسكري واستبعد البعض من الخبراء إقدام نظام الخرطوم على التخلي عن ورقة الإخوان، ورأوا أنه السند الأهم للجماعة حاليا، عقب التضييق عليها في عاصمتيها التقليديتين، القاهرة ولندن، وفي انتظار ما ستخرج به إدارة ترامب من قرار بشأن تصنيفهم جماعة إرهابية. وأكدوا أن الأنباء التي جرى تداولها مؤخرا ترمي إلى تحقيق مصالح السلطة في السودان بالدرجة الأولى، قبل أن تكون متعلقة بولاء ديني أو نقاء أيديولوجي. ملاذ الضرورة عدّد مراقبون جملة من الدوافع تجعل عمر البشير حريصا على توظيف ورقة جماعة الإخوان أهمها الرغبة في تعويض انقسام الحالة الإسلامية السودانية إلى أجنحة متصارعة بتعزيز ارتباط الجناح الحاكم بالتنظيم الدولي للإخوان. فهذا الارتباط من شأنه أن يضعف قدرة الأجنحة المحلية على إحداث تغيير في المشهد السياسي بالتحالف مع قوى المعارضة الأخرى. وقال خبراء في شؤون الحركات الإسلامية إن فشل الإخوان في مصر، انعكس سلبا على النظام السوداني، الذي يحكم منذ أكثر من ربع قرن، وفشل في ما أعلن عنه من قبل وكشف عن توجهه اليميني، عقب الانقلاب العسكري، تحت مسمى “أول مشروع حضاري إسلامي سُني”، ووصفوا التلاحم الحالي بين النموذجين الإخواني المصري والإخواني السوداني بـ”ملاذ الضرورة الأيديولوجية”، في مواجهة خلل مشترك في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وفرضت الرؤية المشوشة لدى النظام السوداني عليه التمسك بأطراف متناقضة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والفشل الإداري وفقدان الموارد الطبيعية بانفصال الجنوب، الذي فقد بخسارته 75 بالمئة من النفط والكثير من الموارد نتيجة لهواجس السلطة وانتشار الفوضى والنزاعات القبلية والمناطقية وفقدان السيطرة على كامل تراب البلاد، والعجز عن تقديم خدمات أساسية للمواطن السوداني. ومن بين تلك المتناقضات إظهار التجاوب مع التقارب المصري، وفي ذات الوقت الإبقاء على علاقته الوطيدة بالإخوان، تحسبا لأي تغيرات تبدو في أذهان وأمنيات قيادات اليمين الإسلامي أضخم، بالمقارنة برؤى من يفكرون بعقلانية وواقعية. واستبعد هاني رسلان، الخبير في الشؤون السودانية، حدوث تغيير حقيقي في موقف النظام السوداني الحالي من الإخوان، مشددا على أن موقفه الفعلي هو توفير الملاذ والتدريب لجناحي الإخوان سواء جناح محمود عزت أو مجموعة التأسيس الثالث (الشباب). وعلل ذلك، في تصريحات لـ”العرب”، بدافع التعاطف الأيديولوجي سيرا على نفس سياسات نظام الإنقاذ بالسودان في تسعينات القرن الماضي، لأن “الإنقاذيين” (نسبة إلى ما يسمى بثورة الإنقاذ في السودان) في الأصل إخوان، وتربوا على مقولات حسن البنا وسيد قطب، وخلاف حسن الترابي السابق مع إخوان مصر، كان مجرد خلاف “إداري”، تمثل في رغبة الترابي تولي القيادة. وأضاف رسلان أنه حتى لو اتخذت الولايات المتحدة إجراءات فعلية ضد الجماعة فلن يحدث تغيير جوهري في الموقف السوداني، وأن نظام الخرطوم الحالي لن يفرط في الورقة الإخوانية بسهولة. الإخوان الهاربين من مصر إلى السودان هم من كشفوا أسرار استضافتهم وأنشطتهم داخل السودان من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وذهب البعض من المراقبين إلى أبعد من ذلك، حيث أكدوا أن المعارضة السودانية لم تعد نخبوية، إنما تعززت بالنشاط الطلابي في الجامعات. وأصبح الطلاب والناشطون والشباب وقود الاحتجاجات والمظاهرات. كما أن النظام السوداني يحرص على الترحيب بشباب جماعة الإخوان الهاربين من مصر وإلحاقهم بالجامعات لإكمال دراستهم، وتوفير فرص عمل وإقامة. طلاب الإخوان يدرس المئات من طلاب جماعة الإخوان حاليا في مدارس وجامعات السودان. وتيسر الحكومة السودانية توفيق أوضاع وإقامة المتسللين منهم بصورة غير شرعية. كما أن السودان، على خلفية تلك التسهيلات، أصبح من أهم معابر وملاذات أعضاء الجماعة وقياداتهم، سواء للإقامة بها، أو للمرور منها إلى دول أخرى. وقال خالد الزعفراني، الخبير في الحركات الإسلامية، إن النظام السوداني يجنح إلى التكتم والسرية في تعامله مع ملف الإخوان الهاربين إلى بلاده، حيث يحرص على إدماجهم في المجتمع دون “شوشرة”. وأوضح لـ”العرب” أن الإخوان الهاربين من مصر إلى السودان هم من كشفوا أسرار استضافتهم وأنشطتهم داخل السودان من خلال صفحات التواصل الاجتماعي. وأشار إلى أن نظام عمر البشير حريص على استرضاء جميع الجهات، سواء الغرب والولايات المتحدة أو النظام المصري أو جماعة الإخوان، لدرجة استضافته الجناحين المتصارعين داخل الإخوان وإبقاء العلاقة معهما على نفس المسافة. وأضاف أن هناك اعترافات تفصيلية لأعضاء بالإخوان، من الذين قبض عليهم عند فشل محاولة تسللهم إلى الأراضي السودانية، أدلوا فيها بمعلومات عن نشاط الخلايا الإخوانية في السودان بالأسماء والأماكن، فضلا عن أن التحقيقات في عدد من قضايا العنف ومحاولات الاغتيال، أثبتت أن هناك معسكرات تدريب لمجموعات مسلحة مصرية (تابعة للإخوان) داخل السودان. ورجح الزعفراني وجود دافع نفعي لدى الرئيس السوداني يشبه ذلك الذي لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعنى دعم الإخوان من منطلق ولاء تنظيمي والإبقاء عليهم للحصول على أكبر قدر من المكاسب في أي مقايضة قادمة، كما حدث في ملف أسامة بن لادن وكارلوس. وتطالب مصر النظام السوداني بتسليم عناصر إرهابية متطرفة منتمية إلى جماعة الإخوان وحلفائها، ومنهم عناصر صدرت ضدها أحكام قضائية، لكن السودان لا يكتفي فقط بالرفض والتجاهل، بل يحرص على تقنين أوضاع هؤلاء وتيسير إقامتهم. باحث في الجماعات الإسلامية :: اقرأ أيضاً تونس: إنزال ثقافي يحاصر الإرهابيين المرابطين في الجبال المخا.. مدينة تكسر ظهر الانقلاب في اليمن المشهد الجيوسياسي العربي: مواطنون لاجئون ودول منهارة وعقود اجتماعية جديدة تسييج الحدود وبناء الأسوار.. انقلاب اليمين على قيم التعدد