يحرص العديد من أفراد المجتمع -قبل أن يتوفاهم الله- على بناء المساجد أو المساهمة في بنائها وجعلها وقفاً، وفي هذه الحالة فإنَّ أمور صيانة تلك المساجد والعناية بنظافتها والاهتمام بها قد تؤول إلى ورثتهم، وقد تتغيّر أحوال هذا الوقف إلى الأسوأ، خاصة مع انشغال الورثة أو انتقالهم إلى مدينة أخرى، وقد يتولى زمام الأمور في هذه الحالة إمام المسجد أو المؤذن أو حتى بعض ساكنيّ الحيّ، إلى جانب وجود من يعمل على إسناد الأمر إلى "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" لتتولى العناية به وتسيير أموره. ويبقى السؤال المطروح في هذه الحالة هو: من المسؤول عن صيانة الوقف في هذه الحالة والعناية به من بين كل تلك الأطراف؟. وصية المورِّث وأرجع "صالح بن حسين العموش" -مدير مشروع التوفيق والإصلاح الأسري بالخرج- هذا الإهمال من الورثة إلى أمور عدَّة، من أهمها عدم مشاركة الأب لأبنائه الرأي في البناء والحديث معهم عما يخص الوقف وأموره، إلى جانب التحفظ على الوقف وجعله طيّ السرية التامة، وكذلك حاجة الأبناء، إضافةً إلى مبالغة المُورث في كثرة الأوقاف أو في تكاليف البناء أو عدم تعيين ناظر للوقف أو جعل ريعه يعود على الوقف، موضحاً أنَّ من بين تلك الأمور الخلاف بين الورثة حول الوقف، فكل واحد يتبرأ منه ويُلقي المسؤولية على الآخر. وقال: "لا ننسى المفاخرة والمباهاة والتكاليف الزائدة والمُلحقات التي بالوقف من دار ومغسلة أموات وغيرها؛ مما يكلف مبالغ طائلة في مجال الصيانة"، مبيناً أنَّه من الناحية الشرعية لا يجب على الورثة الاهتمام بالوقف، موضحاً أنَّ ذلك لا يكون إلاَّ بوصية يوصي بها المورث، مؤكداً أنَّه ينبغي على المُورث أن يُبين لأبنائه أهمية الوقف ويُحببهم فيه ويحثهم عليه، على أن يختار الصالح من أبنائه ليتولى ذلك ويُشجع البقية عليه وعلى مساندة أخيهم المسؤول عن الوقف. إهمال الورثة وأشار "منصور القحطاني" إلى وجود مسجد في حيهم بناه فاعل خير وجعله وقفاً وألحق به حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، مضيفاً أنَّ حال المسجد تغيّر إلى الأسوأ بمجرد أن مات الرجل. وقال: "كلما دخلت المسجد وجدت الأرض مملوءة بالغبار والفرش قديماً جداً وتفوح منه روائح سيئة؛ بسبب قلة العناية به، كما أنَّ إضاءته من الداخل إمَّا محروقة أو ضعيفة، وكثير من المكيفات لا يعمل، وما يعمل منها لا يُبرِّد بصورة جيدة، بل يُصدر أصواتاً مزعجة". وأضاف أنَّ العديد من المكيفات باتت تستهلك الطاقة الكهربائية دون فائدة تذكر، مشيراً إلى أنَّ دورات المياه غير نظيفة ولا يوجد بها مياه، مرجعاً ذلك كله إلى إهمال الورثة وعدم اهتمامهم بإجراء الصيانة اللازمة للمسجد، لافتاً إلى أنَّ سكان الحيّ اجتمعوا ووضعوا صندوقاً لجمع التبرعات من المصلين من أجل صيانة المسجد، إلى جانب الرفع بأمره إلى "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" لاعتماد صرف أثاث جديد للمسجد في كل عام. جهود ذاتية وتساءل "محمد الوادعي" عن الدور الذي من المفترض أن يؤديه كل من الإمام والمؤذن والجهات المعنية في العناية بالمساجد والمحافظة عليها، خاصة ما كان منها وقفاً ومبنياً بجهود ذاتية من قبل أحد المواطنين قبل أن يتوفاه الله - عزَّ وجل-، ومن ثمَّ آلت مسؤوليته إلى الورثة، مشيراً إلى أنَّ العناية بنظافة المساجد ليست وليدة اليوم، كما أنَّها شرف يتسابق عليه المؤمنون منذ زمن النبوة، فكيف بمن تولى إمامة المسجد أو الأذان فيه. ولفت إلى أنَّ بعض أئمة المساجد لا همَّ لهم سوى استلام المكافأة التي تصرفها الدولة لهم، دون أن يهتم بالعناية بالمسجد أو المواظبة على أداء الصلاة في أوقاتها بالمسجد المُكلَّف بإمامة المصلين فيه، مشيراً إلى أنَّ هناك من لا يؤدي الأمانة على الوجه المطلوب؛ فنجده حينها ينيب المؤذن في الإمامة، وقال: "نجد في كثير من الأحيان أنَّ الإهمال والتسيُّب يكونان من الإمام والمؤذن على حدٍ سواء، فنجد أنَّ للمسجد في كل يوم إماماً ومؤذناً من أهل الحيّ؛ بسبب غياب كل منهما". وأكد على أنَّه من الواجب على الورثة الحرص على العناية بالمسجد الذي بناه والدهم قاصداً بذلك أن ينال الأجر والمثوبة من الله في حياته وبعد مماته، مشيراً إلى أنَّه ينبغي عليهم إسناد أمر صيانة المسجد الذي بناه مورثهم والعناية به إلى "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" في حال لم تكن لديهم القدرة على أداء هذا الواجب. منافع الوقف وأوضح "محمد الدباش" أنَّه لا يوجد إهمال بالمعنى الصحيح للكلمة في هذا الجانب؛ لأنَّ الوقف يتبع شرط الواقف، فإن كان من شروط الوقف أن يؤدي الواقف جميع أمور الوقف فهنا يتحمل كل ما يتعلق بالوقف من نظافة وصيانة، مشيراً إلى أنَّ المتعارف عليه هو أنَّ الواقف يُسلِّم وقفه إلى "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف" لتتولى كافة شؤونه، وهنا لا يكون للورثة أيّ علاقة بالوقف. وأضاف أنَّه في حال تعطلت منافع الوقف، خاصةً المساجد التي تكون بالهجر والقرى، وذلك بهجرها أو عدم ارتيادها من قبل المصلين أو إلحاق الضرر بها، فإنَّ من حق "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف" بيع الوقف؛ لانقطاع منافعه. أهمية المسجد وبيَّن "يوسف اليوسف" -إمام مسجد- أنَّ المساجد هي بيوت الله-عزَّ وجل-، سواءً كان بناؤها من قبل الدولة أو من فاعليّ الخير، موضحاً أنَّ الهدف منها هو رفع اسم الله -سبحانه وتعالى- بالتكبير والصلاة في كل بقاع الأرض، مشيراً إلى أنَّ من فضل الله -عزَّ وجل- علينا في هذه البلاد المباركة أن نجد مسجداً في كل حي تعمل الدولة أو فاعلو الخير على العناية به والاهتمام بشؤونه وصيانته. وأضاف أنَّ المصلين قد لا يهتمون بمن بنى المسجد وينتظرون ورثته أن ينهجون نهجه بفعل الخير، موضحاً أنَّ الخير موجود في كافة المسلمين، مشيراً إلى أنَّه يوجد بالحيّ الذي يسكن فيه مسجد يعمل المصلون على تبخيره وتزويده بالمياه وجلب عمال النظافة لتنظيفه والعناية به في كل يوم جمعة، لافتاً إلى أنَّ ذلك ينبع من استشعارهم لأهمية المسجد وطلباً للخير الذي عند الله، مبيناً أنَّ قدوتنا في ذلك هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأشار إلى أنَّ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حينما افتقد المرأة التي كانت تُنظِّف المسجد سأل عنها، وعندما علم بوفاتها ذهب لقبرها وصلَّى عليها، لافتاً إلى أنَّ الاهتمام بالمساجد مسؤولية الجميع، وليست حصراً على شخص بعينه، خاصةً أنَّ الواقف انتهت مهمته بمجرَّد وفاته، كما أنَّ ورثته أو أبناءه لديهم من المسؤوليات ما الله به عليم.