الشيخ من استبان فيه السن، وظهر عليه الشيب، وقد يطلق على ذي المكانة، ومنه قول امرئ القيس: تالله لا يذهب شيخي باطــلا حتى أبير مالكاً وكاهــــلا ومن هذا الاستعمال قول أبي بكر الصديق: أتقولون هذا لشيخ قريش؟ يعني أبا سفيان بن حرب وهو يومها كافر، ومن هذا القبيل ما في صحيح البخاري عند ذكر قصة وفاة عمر بن الخطاب، وذكر جماعة الشورى حيث جاء في القصة فأسكت الشيخان، يعني: عثمان وعليا. أما اختصاصها بالعلماء أو طلبة العلم من أجل العلم فلم يكن شائعا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا زمن أصحابه، ولا التابعين، فقد كان من بين هؤلاء علماء مشهورون، ولم يعرف لهم هذا اللقب كميزة للعلماء في العصور الأولى، وإنما اشتهر عند المحدثين والفقهاء وغيرهم بعد القرون الثلاثة، ولا يعرف تاريخ استخدامه تحديدا. قال الله: «ثم لتكونوا شيوخا» والشيوخ جمع شيخ أي الرجل الكبير وليس الفقيه أو العالم ونحوه قوله تعالى: «وهذا بعلي شيخا» وأوضح من ذلك قوله تعالى: «إن له أبا شيخا كبيرا» فالشيخ تعني الرجل الكبير في العمر، ولا تدل في الأصل على العلم والتفقه في الدين وهي في الحقيقة لا يتجاوز معناها الكبر في العمر، ورواج استعمالها فيمن يتصف بالعلم والفقه في عصرنا الحاضر إنما وقع باعتبار أن الذي كبر سنه من شأنه أن تكثر تجاربه ومعارفه وعلمه، كما أنه يُطلق من باب التبجيل، قال الفيروز آبادي في القاموس: وشيخه: دعاه شيخا تبجيلا. ومما يجدر التنبيه إليه هنا أن الحديث المروي في هذا المعنى ولفظه: «من قرأ البقرة وآل عمران ولم يدع بالشيخ فقد ظلم» وجاء بلفظ «من حفظ الزهراوين فشيخوه»، هو حديث لا أصل له كما قـال الحـافظ السخاوي في المقاصد فلا وجه في الاستئناس به، والزهراوان هما البقرة وآل عمران. وقد راج في نهاية عهد الخلافة العثمانية وما بعدها استعمال لفظ رجل الدين وهو في الأصل استعمال نصراني، قال بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية: الدين في الفكر الغربي بشتى مذاهبه ودياناته يعني: العبادة المصحوبة بالرهبة أو الوحشة. ومعنى هذا أن رجل الدين لا يصلح لفهم أمور المعاش بسبب انقطاعه عن محبة الناس، وليس كذلك في مفهوم الإسلام الذي لا يعترف بأن هناك رجل دين له نفوذ واختصاص، فكل مسلم رجل دِين ودُنيا. فالدين في المفهوم الإسلامي هو: ما شرعه الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ينظم صلة العبد مع ربه ومع عباده على اختلاف طبقاتهم، وينظم أُمور معاشه وسلوكه، من غير وجود وساطة بشرية. فاصطلاح رجل دين لا يصح استعماله لأن جميع المسلمين يحملون من مسؤولية الإسلام كل بقدر ما يعلم، والعلماء لا يسمون رجال دين ولا يملك أحدهم أن يُحل شيئا أو يحرم شيئا، وهم كباقي المسلمين في أحكام الشرع، ولا يتميز أي عالم عن عموم المسلمين بشيء في أحكام الشرع مهما بلغت منزلته في العلم والاجتهاد والاحترام، فهو كغيره من المسلمين، وإنما شاعت فكرة رجال الدين عند النصارى واستخدامه عند المسلمين قد يوحي بنقل المفهوم النصراني إلى المسلمين؛ وقد ورد ما ينفر عن تقليد اليهود والنصارى، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: اليهود والنصارى؟، قال فمن؟ ، فتقليد اليهود والنصارى مذموم، فكيف إذا كان هذا التقليد يؤسس لمفهوم باطل. ولهذا لا يصح أن يُقال عن العالم المسلم إنه رجل دين، ولا يصح أن يعتبر العلماء أنفسهم رجال دين لنقله مفهوما باطلا. ولهذا لا يوجد في المعاجم الإسلامية ما يسمى برجال الدين، وإنما تسرب هذا بواسطة المذاهب المادية.