أثناء جلوسي مع عائلتي في أحد المطاعم الشهيرة في مدينة جدة لاحظنا امرأة شابة تتنقل من طاولة لأخرى وتتحدث بحماس مع الأشخاص الموجودين عليها، وخرجنا ذلك اليوم من المطعم قبل وصولها لطاولتنا. بعدها بأسابيع عدنا لنفس المطعم وكانت المرأة نفسها موجودة وتقوم بنفس الشيء، وهذه المرة وصلت إلينا وبادرتنا بالترحيب بشكل لبق وابتسامة عريضة ثم سألتنا “هل يمكنني الحديث معكم لدقائق؟” سألتها عن الموضوع، فردت علي “أريد أن أقدم لكم معلومات عن سجائر دينهل”! سألتها هل أنت موظفة تسويق؟ فقالت “نعم”، فقلت “ألا تعلمين أن التسويق والدعاية للسجائر ممنوعة، ثم أليس من الخطأ أن تروجي للتدخين بهذا الأسلوب خاصة أن كثيراً من الموجودين في المطعم هم من المراهقين والمراهقات؟"، فقالت بارتباك إنها تحرص أولاً على سؤال إذا كان الشخص مدخناً أم لا وأنها تحاول فقط إقناع المدخنين بالتغيير إلى “دينهل وتعريفهم بخصائصه!!”. فقلت لها : ولكنك تقومين بذلك في القسم الخاص بغير المدخنين، ولم أشاهدك أبداً تدخلين القسم المكشوف الخاص بالمدخنين”.. حينها اعتذرت بارتباك وغادرت المطعم بشكل سريع. وقد استدعيت مدير المطعم وسألته وفوجئت برده أنه يعلم عما تقوم به تلك المرأة وأن المطعم وشركة السجائر التي تعمل بها موقعان عقداً يسمح لها بالقيام بذلك. ورغم قيامي بتقديم بلاغ على رقم الأمانة ، إلا أن أحد أصدقائي أخبرني أن هذا الأسلوب للترويج للتدخين لازال منتشراً في عدد من المطاعم بمدينة جدة. نعلم جميعاً أن شركات التبغ العالمية تخوض حرب حياة أو موت بعد خسارتها الكبيرة لأسواقها في الدول المتقدمة والتي دفعتها إلى التوجه بقوة إلى أسواق الدول النامية كبديل، ومن الواضح جداً أنهم نجحوا في تحقيق أهدافهم، ففي الوقت الذي انخفضت فيه معدلات التدخين في أمريكا مثلاً بأكثر من النصف من ٤٢٪ عام ١٩٦٥م إلى ١٨٪ عام ٢٠١٢٪، نجد أن تلك المعدلات في تزايد مستمر في السعودية والتي تقف في المرتبة ٢٣ عالمياً من حيث استهلاك التبغ، وفي اعتقادي أن هذه النسبة لا تعكس سوى جزء من الأرقام الفعلية نظراً لأن الكثيرين يمارسون التدخين سراً لأسباب اجتماعية. وكما أن شركات التبغ العالمية تخوض حرب حياة أو موت بسبب الإجراءات الحكومية والقيود على التدخين، فإنه يبدو أن حروباً أخرى تخوضها المطاعم والمقاهي في جدة بالتحالف مع وكلاء شركات التبغ الخارجية والمحلية وذلك للترويج للتدخين بكل أشكاله. دعوني أشير فقط إلى أن عدداً من المطاعم الشهيرة والتي كانت تعج بالزبائن أغلقت أبوابها بعد فترة قصيرة من القرار الحكيم بمنع التدخين في الأماكن المغلقة، وفي هذا دلالة على أن كثيراً من الزبائن كانوا يحضرون اليها ليس للطعام ولكن من أجل المعسل والشيشة.. والملاحظة المهمة الأخرى هي أن أعداداً كبيرة من مرتادي تلك المطاعم بقصد التدخين هم من المراهقين والمراهقات، بل إني شاهدت مرات عديدة أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم الـ13سنة يقدم لهم ولهن المعسل. الملاحظ أن كثيراً من قرارات مكافحة التدخين الحكومية كزيادة الرسوم على واردات التبغ ورفع الأسعار ومنع التدخين في الأماكن المغلقة غالباً ما يواجه بالمقاومة والانتقادات غير المنطقية التي لا ينبغي الالتفات إليها نظراً للأضرار الفادحة المعروفة عن التدخين. لقد تمكنت الدول الغربية من مواجهة التدخين بنجاح بسبب قراراتها الصارمة التي منها الجدية في المنع في الأماكن المغلقة والتي لا يجرؤ أحد على مخالفتها، ورفع أسعار السجائر والتي تصل في بعض الدول الأوروبية إلى ١٥ دولاراً للعلبة (٥٦ ريالاً) مقارنة بـ ٩ ريالات فقط لدينا. ختاما يمكن القول إن جميع الاجراءات التي تم اتخاذها لدينا حتى الآن لمحاربة التدخين لازالت خجولة وتفتقد للفاعلية، فاستهلاك التبغ في ارتفاع والمدخنون نراهم في مطاراتنا وأسواقنا وشركاتنا ولا يبدو أن أحداً يجرؤ على منعهم أو حتى الطلب منهم إطفاء سجائرهم رحمة بالآخرين.. والسبب غياب المتابعة الصارمة وجدية التطبيق.