النسخة: الورقية - سعودي ماذا يعني أن يتحول مواطن مفلس إلى مليونير وصاحب مشاريع استثمارية عدة بعد توليه منصباً في جهة خيرية، مهمتها جمع التبرعات من الناس بحجة الدعوة أو مساعدة الفقراء؟ هذا السؤال وغيره يتردد يومياً في مجالس السعوديين ومنتدياتهم، مدعوماً بقصص مختلفة وأمثلة لا يمكن حصرها، ومع ذلك يظل قائماً من دون أجوبة قاطعة، إن لم تتحول كل حادثة إلى قضية رسمية تحتضنها محاضر مليئة بـ«سين وجيم». في كل مكان في العالم هناك «لصوص تبرعات» تخرج من جيوب الناس رغبة في عمل الخير، سواء أكان الهدف الأجر من الله أم إراحة الضمير وخدمة البشرية. هؤلاء «اللصوص» لهم هيئات مختلفة؟ ففي الغرب - غالباً - يكونون من القساوسة الفاسدين، وفي الشرق ممن ينتحلون صفة شيوخ دين هي ممارسة نصب واحتيال قديمة وشائعة، لكن الغريب أن من يجمع التبرعات لنفسه كذباً واحتيالاً على الناس يسمى «متسولاً» وتحاربه القوانين كافة، بينما من يجمعها بحجة دعم النشاطات الدعوية أو الخيرية ثم يستولي على نصفها يُسمى «فضيلة الشيخ»، ويكرّمه السذج والمغفلون. حكى لي أحد الأصدقاء عن جاره الذي تسنم وظيفة «شيخ» في جهة خيرية تستقبل التبرعات العينية لدعم الفقراء من أجهزة كهربائية وأثاث وملابس وما إلى ذلك، إذ شاهده في ليلة ظلماء وهو يصل إلى منزله تتبعه سيارة نقل محملة بالمكيفات الجديدة التي استبدلها خلال ساعتين بجميع مكيفات بيته المستهلكة، وعندما تنبه الشيخ إلى وجود هذا الصديق ومشاهدته عملية نقل المكيفات عرض عليه الاستفادة من المكيفات القديمة، إن أراد، لأنها ما زالت تعمل، فضحك وتركه قائلاً: «رجِّع المكيفات يا شيخ.. فلن تبرِّد عليك حر جهنم». «شيخ» آخر ترك وظيفته الحكومية المتواضعة بعد أن تسلم وظيفة في جهة دعوية تعتمد على التبرعات، وخلال فترة بسيطة أصبح من الأثرياء في مدينته، وامتلك مشاريع تجارية عدة، منها مدرسة أهلية، والعجيب أن الحافلات التي تستخدمها هذه المدرسة لنقل الطلاب تحمل شعار الجهة الدعوية التي يعمل فيها، وقد صور ذلك بعض أبناء مدينته بكاميرات هواتفهم النقالة وتداولوها بينهم من باب «شر البلية ما يُضحك»، قبل أن يفاجئهم الشيخ نفسه بتنظيم حملة حج خاصة درت عليه عشرات الآلاف، مستخدمة الحافلات نفسها، ولا عزاء للدعوة و«دراهم» المساكين. يقول المثل الدارج: «من فرعنك يا فرعون قال ما لقيت أحد يردني»، وهذا ما يجب أن يقال لآلاف المواطنين الذين يكشفون استياءهم كل يوم من لصوص التبرعات، فواجبهم الوطني يحتم عليهم الإبلاغ عن هذه الممارسات الفاسدة والسرقات المتسترة بالدين، لأن صمتهم يسهم في استشراء هذه الظاهرة المقيتة وتزايُد انتفاخ «كروش» اللصوص من دون رادع من نظام أو ضمير.