لو كانت البروباغندا شخصا لنطق، كل أصحاب العقول السطحية صفقوا بحرارة، وكذلك حصل مع الأغبياء أيضا، لأن هؤلاء لم يكونوا استوعبوا شيئا مما قيل، ومع ذلك فإنهم صفقوا كعادتهم أعتقد بأن عالم اليوم بات تحت رحمة البروباغندا. الدعاية، الترويج، التبشير كلها مصطلحات ملتصقة بالبروباغندا التي تعني نشر المعلومات وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص. وهي مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات، البروباغندا في معنى مبسط، هي عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقي المستهدف. في عالم اليوم تلجأ الدول والجماعات والأحزاب وغير ذلك إلى البروباغندا من أجل تحقيق أغراض كثيرة عن طريق إقناع الآخرين بما يريدون. وما الحملات الإعلامية بأنواعها إلا أشكال من البروباغندا التي تكاد تطغى على كل شيء هذه الأيام، فتبهر العيون وتصم الآذان، وتعبث بالعقول. إن تضليل عقول البشر هو -على حد قول باولو فرير- أداة للقهر، وللإعلام الدور الأول في تضليل الرأي العام في جميع القضايا، خاصة السياسية منها، فهو يستخدم أداة فعّالة قوية في تضليل الرأي العام وتحريفه، إنه يحْرِم العامّة من الفرصة لفهم العالم الحقيقي. فيديوهات مفبركة من مواقع المعارك والنزاعات الدائرة، حملات عدائية معلنة من قبل بعض الدول ضد بعض دول المنطقة، تصريحات مثيرة للقلق والبلبلة من سوء الأيام القادمة، تراشق بألفاظ السباب والشتائم النابية وتبادل للاتهامات يخرج عن نطاق المهنية، أقوال مدسوسة مغرضة تنسب لشخصيات سياسية بارزة لزيادة الفرقة بين أبناء الشعوب العربية، منظمات دولية مأجورة تنشر أخبارا ملفقة بهدف الاستفادة وإيجاد مكانة وسط الفوضى السائدة. فهي كثيرا ما تعتمد على إعطاء معلومات ناقصة، وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة عن طريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، بالإضافة إلى أنها تقوم بمداعبة العواطف الإنسانية عوضا عن الرد بعقلانية من أجل التحكم بها في مرحلة لاحقة. والهدف من هذا هو تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات سياسية. فهي سياسيا تعني الترويج، واقتصاديا تعني الدعاية، ودينيا تعني التبشير. كان جوزيف غوبلز وزير الإعلام والبروباغندا النازي الشهير بمهارته في هذا المجال يرى أن كثرة التكرار، وبمساعدة المعرفة الجيدة لنفسية الأشخاص المعنيين، يصبح من الممكن تماما البرهان على أن المربع هو في حقيقة الأمر دائرة. وما إن تقول لذلك الجمهور المغيب أن الشمس تتخذ شكلا مستطيلا حتى قالوا صدقت. لو كانت البروباغندا شخصا لنطق، كل أصحاب العقول السطحية صفقوا بحرارة، وكذلك حصل مع الأغبياء أيضا، لأن هؤلاء لم يكونوا استوعبوا شيئا مما قيل، ومع ذلك فإنهم صفقوا كعادتهم، أما الأقلية فقد التزمت الصمت رغبة في مخالفة السائد. فيلم نتورك إنتاج عام 1976 يعد الأفضل حتى الآن في إظهاره لتحكم الإعلام بالعقول، الفيلم يحكي عن قناة تلفزيونية قلت نسب المشاهدة بها، وحصول برامجها على جوائز، فكان قرارها بتغيير كل ما تقدمه وبث أفكار مختلفة ولو كانت قذرة. علينا ألا نتهاون في هذا الجانب ونقضي على ما يسمى ببروباغاندا العصر بخلق إعلام قوي. فمهما يكن من أمر فإن علينا أن نفكر بجد في المسألة الإعلامية، فإنها اليوم جزء لا يتجزأ من المعركة، وما لم نمتلك إعلاما قويا يقدم إضاءات كاشفة للأحداث السياسية التي تمر على العالم الإسلامي لا نستطيع أن نزيل الظلمات الإعلامية التي تزحف علينا من العالم الخارجي. فما زالت ذاكرة التاريخ تؤشر إلى أن الكثير من الحروب كانت نتاجا من الإعلام البسيط الناتج من قصيدة أو شعر بحق طائفة ضد أخرى، أو قبيلة ضد مثيلتها، وخلفت من المآسي ما خلفت هذا في زمن لم تكن فيه الأمور بتطورها الحاضر ولا بسلاحها الفتاك الحالي، فكيف بما سيجري لو أن الأمور سارت بنفس ما يخطط له تجار السلاح وسماسرة الحروب؟ فلك أن تتصور النتائج.