ترتعد أناملي، وحيرة تعلو أفكاري، ويبكي قلبي دماً، وتكابد عزيمتي، أحس أني أفتقد لكل معاني الرجولة، نعم الرجولة والشهامة، حلب المدينة دُمرت، أهلها قُتلوا، ذبحوا، وفعلت فيهم الأفاعيل، بسبب ثارات تعود إلى قرون خلت، ما هذا الجنون؟ كيف أنظر في عيون الحلبيين؟ كيف أنظر في المرآة وأقول أنا مسلم عربي، أو إنسان يغضب، ويتضامن، ويكون له موقف أو آهات؟ أتجاهل عناوين الأخبار؛ لكي لا أرى ما يقع، حتى لا أوقظ ما تبقى من ضمير، ولكي لا أسائل نفسي، وواجبي تجاهك، أخجل أن أفرح وفيكم آلاف الأحزان والآلام، عاجزون عن النصرة والمساعدة. ما أشبه اليوم بالبارحة تتساقط المدن العربية الواحدة تلو الأخرى، كما تساقطت مدن الأندلس، فالبارحة سقطت طليطلة، وقرطبة، وإشبيلية، ثم غرناطة، ملوك الطوائف كانوا هناك بخصوماتهم وترفهم وظلمهم وذلهم للرومي، كانت 22 إمارة متطاحنة منقسمة فيما بينها، البارحة شبيه باليوم، وإن اختلف الزمن وبعض من الجغرافيا، لكن نفس الخصومات، و22 دولة عربية، يا لها من صدفة! ولا من معتبر من حركة التاريخ وحكمة الماضي ودروسه. حلب تكابد وحدها، ولوحدها باقية مع أهلها في وجه البراميل والحقد الطائفي، بشاعة الدمار ورائحة التراب، ودماء الشهداء هي عناوين حلب منذ سنوات، ينتقمون منها، يثأرون من الأمس القريب. كانت حلب نقطة اجتماع المسلمين، ووحدة أهل الشام؛ لينطلق صلاح الدين إلى تحرير الأقصى عبر إسقاط الدولة الفاطمية، ويوحد الشام ومصر ليواجه الغزاة الصليبيين وينتصر عليهم في معركة حطين في فلسطين. أعترف للعالم بأننا عاجزون متخاذلون رغم كثرتنا، لكننا كغثاء السيل، لا نفع منا، نغير البروفايل أو نبكي كالنساء على مدينة عزيزة، لم نحمِها كالرجال، كما قال المنهزم قديماً في الأندلس المفقود. أموت كل يوم قهراً بالعجز والدموع، ينتصر أهل حلب بإحدى الحسنيين؛ إما الشهادة وبعدها حياة أبدية أحسن من حياتنا المليئة بالنفاق وتلوث الأنفاس المتعطشة للقتل والخراب، والحسنى الثانية انتصاب قامة وهامة أهل حلب بصبرهم ونبلهم ودفاعهم عن شرف أمة ما شبعت بعض الأمم من دمائها وثرواتها، كلما صمد أهل حلب، كبروا، كلما حفروا خندقاً وأكلوا كسرة خبز جاف وحمدوا الله عليها، احتضنت الأم أبناءها في زاوية البيت لعلها تحميهم من صواريخ السوخوي الروسية أو من صواريخ "المقاومة"، ما بعد حيفا؛ لنجدها في سماء حلب قد تاهت عن الطريق. صمود حلب بطولة وانتصار، يقابله انهزامنا وخروجنا من التاريخ؛ لندخل إلى عبثية التاريخ، لا صوت لنا، لا قوة لنا، لم نفعل شيئاً، من نحن الآن في هذا العالم الغابة؟ لا شيء، أقولها صراحة نحن لا شيء، الآن نأكل ونشرب وننام كالأنعام بل أشد، قد أقسو في الوصف، لكنها الحقيقة البادية، خرجنا من إنسانية الإنسان لنطبّع مع الظلم والباطل، ومشاهد الدمار، تناسينا دروس المهاجرين والأنصار، وتقاسم الصبر والألم والمال، إلى أن تزول الغمة، ثم العودة إلى مكة شبيهتها حلب حالياً، كل ما يحدث حالياً يعقبه خير كثير جداً، الأمة تعرف أكثر مما سبق من عدوها بشكل واضح، ونحن في مرحلة غربلة المواقف، من اختار الظلم والقوة؛ ليواجه الحق وإن كان ضعيفاً، فهو صاحب قضية لا تموت، أما الغزاة فمصيرهم الاندحار، وإن طالت بهم الأيام، التاريخ كفيل بإجابتنا بمصيرهم. نحن في مرحلة اجتماع عناصر الغضب، والغضب يولد غضباً، وبعده الحركة والانفجار الحتمي الذي لا مفر منه؛ لنكسر كل المؤامرات، من سايس بيكو إلى الخطة الخمسينية ونظرية أم القرى إلى إفشال خطة الفوضى الخلاقة، وتعود بعدها حلب والأحواز ودمشق وبغداد وصنعاء وسبتة ومليلة والقدس، و يسود السلام العالم؛ لأننا نحن أمة تصنع السلام، ولا تتاجر بالحرب والأحقاد، بل نقول لهم: اذهبوا أنتم الطلقاء، فحربنا حرب أخلاق، فلا يجب أن نتحلى بأخلاقهم البربرية الهمجية، فنحن أهل حضارة تصنع مدنية الأخلاق، فحتماً أمتنا باقية لن تموت، فقط تحتاج إلى من يوقظها من جديد، فكن أنت ذلك الشخص. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.