سلاسةٌ في الإيقاع، وغنائيَّة عذبةٌ تحملكَ معها، وشعرٌ محمولٌ على الإيقاع. النحو والإيقاع وثقافةٌ شموليَّةٌ... ذاكَ ما يحمل هذا الشعر... ذاكَ ما يتدفَّق من الشاعر، أو يتدفَّق به الشاعرُ... ذاكَ هو دَفْقُهُ الذي يوقعه أحياناً في عثراتٍ تسترها غنائيَّةٌ جميلة. أما التجريب، فيأتي من بعدُ، يأتي من رحم هذا الدفق. ومن رحم هذا الدفق، يأتي ليستقرَّ في الوجدان هذا الدافئُ الموجعُ في هذا الشعر، وهو الإنسانُ في المُقاتِل... هو إنسانية الإنسان المقاتل. في تفصيلٍ أولٍ، أن غنائية هذا الشعر، في مرحلةٍ أولى، تُذكِّر بغنائية السيَّاب. ثم إذ تأخذ الجملة في الاستطالة، يأخذها مؤشِّرٌ مهمٌّ إلى بداية اللعب بالنحو. وفي كل الأحوال، فإن ما يبقى وسْماً لهذا الشعر هو سيطرة صاحبه على الإيقاع. أما اللغة، فإنها تبدأ خطابيَّةً مباشرةً تتعثَّرُ بمفرداتٍ لا تتنزَّل مكانها، بل يُنزِّلها الإيقاع. وتنتهي بالتجريب اللغويِّ الذي تتعدَّد فيه الدلالات، وتختلط السجلاَّت، وتحتفظ الجملة بتدفُّقها الطويل الموقَّع. ولقد تكون المجموعة الشعرية التي تحمل عنوان «طفولة ماء» هي ذروة هذه الانسيابية الغنائية التي يتَّسِم بها إحضار الزمان والمكان. أما القصائد المشغولة على القافية بالرسم والموسيقى، فإنها تجريبٌ آخر يحاول الشاعر أن يوظِّف فيه مقلوب ما توظِّفه اللوحة التشكيلية من نسيج الشعر. وأما الرمز، فإنه يبدأ بدائياً حين يشرحه الشاعر أو يوضِّحه. ثم تتقدم التجربة، فينغلق الرمز أو يكادُ، ونكاد لا نُمسك به، كأننا بإزاء قصيدةٍ لأُنسي الحاج. ولقد تنفتح مناهل الرمز على الشاعر من كل صوبٍ، فإذا به يغرف من التاريخ الأدبيِّ والدينيِّ، كما يغرف من تاريخ الفنِّ والأسطورة. وتأتي الصورة الشعرية عبر كل ذلك لتمرَّ، بدورها، بالمراحل التي مرَّتْ بها التقنيَّات السابقة. فهي صورةٌ تفتقر إلى النضج بدايةً، ثم تمرُّ بالواقعية السحرية، والكتابة بالرسم والحلم. ويبقى وطن الشاعر، بكل ما فيه ومَنْ فيه، بحاضره وماضيه، بأطلاله وإشراقاته، بأوجاعه وآماله، وطنَ هذه التقنيَّات. شعرية الإيقاع