×
محافظة المنطقة الشرقية

مسلحون يقتلون 5 جنود في سيناء بمصر

صورة الخبر

حينما سئل ذلك الجراح الأميركي الشهير عن سر كتابة العبارة لا تنتظر الشكر من أحد على صدر غرفة استقبال المرضى والمراجعين لعيادته، أجاب بكل بهدوء: لقد أنقذت أكثر من ثلاثة آلاف من المصابين بأمراض القلب المميتة، وكنت أنتظر من هؤلاء المرضى الذين أنقذتهم من الموت المحقق كلمة شكر أو عبارة امتنان، ولكنني بكل أسف لم أحصل على ذلك. لم أجد أفضل من هذه القصة المؤثرة لكي تكون مقدمة مناسبة للكتابة عن ظاهرة الجحود والنكران وعدم الشكر، وهي ظاهرة خطيرة تكاد تكون سائدة في كل المجتمعات والشعوب والأمم، ولكن بنسب ومستويات متفاوتة، تبعاً لمنسوب التمدن والتحضر والتطور لتلك المجتمعات والشعوب والأمم. ولكي نعرف حقيقة هذه الظاهرة السلبية التي تنتشر بكثافة وتتمدد بتلقائية في بيوتنا ومدارسنا ومكاتبنا وشوارعنا وأسواقنا وفي كل تفاصيل حياتنا، نحن بحاجة ضرورية لتعريفها وتوصيفها. وحتى لا أسقط في متاهة التعريفات والمصطلحات، أضع تعريفاً بسيطاً ومباشراً لظاهرة الجحود والنكران وعدم الشكر في مجتمعنا، وهي أن الشكر كلغة إنسانية راقية وكقيمة حضارية ملهمة شكل من أشكال العطاء والتقدير والامتنان، والبشر بمختلف ألوانهم ومستوياتهم ميّالون للأخذ والاستئثار والأنانية، وليس للشكر والعطاء والبذل. حينما نعرف ذلك جيداً، سنتوقف عن الشكوى واللوم والعتب، سواء لأنفسنا أو للآخرين، ولن نشعر بالحزن والحسرة والندم على كل ما نقدمه من خدمات ومبادرات ومساعدات لأناس لا يستحقون كل ذلك -في نظرنا طبعاً- لأنهم بخلوا علينا بمجرد كلمة شكر أو لمسة امتنان! أعمل في حقل التعليم منذ سنوات طويلة، وساهمت بما أستطيع في تنشئة أجيال شابة عديدة، الكثير من طلبتي في مناصب ومراكز ووظائف مهمة، وهذا الأمر يدعوني للفرح والفخر، ولكن المحزن -أو هكذا كان يبدو لي سابقاً- هو عدم حصولي على الشكر الكافي من أولئك الطلاب. كنت أشعر بالحزن والأسى حينما يُقابلني أحد من طلابي بشيء من الفتور الخالي من الحفاوة والتقدير والاهتمام، بل قد يصل بي الأمر لحدّ الثورة والغضب حينما أشعر بأن أحداً من طلابي القدامى قد تجاهلني ولم يُقدم لي فروض الشكر والامتنان! نعم، كنت أشعر بذلك وأكثر، حتى حدثت لي تلك الصدمة التي سكنتني للأبد، حينما زرت دار العجزة والمسنين لأول مرة في حياتي. في هذه الدار المبنية بكل معاني الجحود والنكران والنسيان، شاهدت بحزن وحرقة وألم، كيف ألقي بهؤلاء الآباء والأمهات في قارعة النسيان، وكيف أصبحوا مجرد صفحات تُطوى في سجلات الجحود والنكران، وكيف تنكر لهم الأولاد والإخوة والأهل؟ لكل منا تجربة مريرة -بل عدة تجارب- مع الجحود والنكران وعدم الشكر، وحتى لا نشعر بالحزن والألم والحسرة في كل مرة، نحن بحاجة ماسة لأن نؤمن بالحكمة/ العنوان أعلاه.