تأتي الرعاية الصحية في مقدمة اهتمامات أي فرد، لأن معظم الاحتياجات الخِدَمية الأخرى حتى المهمة جداً ـ كالتعليم مثلاً ـ يمكن تأجيلها رغم أهميتها الشديدة. لكن الخدمة الصحية مُلِحَّة وعاجلة وغير قابلة للتأجيل، وقد تكون «مسألة حياة أو موت» في كثير من الأحيان. هذه الرعاية الصحية التي لازال المواطن في مناطق عديدة من بلادنا يشعر أن مظلتها لم تمتد إليه فهو يسافر مئات الكيلومترات إلى المدن الكبرى في المملكة أو حتى إلى خارج المملكة للحصول عليها. وحتى عندما يتكبد عناء السفر ويخسر الكثير من المال والوقت قد يحصل عليها أو لا يحصل! فمستشفيات المدن الكبرى تئن تحت وطأة الضغط الهائل والمواعيد المتباعدة، ومستشفيات القطاع الخاص لا تقدم خدماتها إلا بأسعار باهظة! وقد سعدت في منتصف الأسبوع الماضي بصحبة وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة ونائب الوزير الدكتور محمد خشيم وبعض أركان الوزارة في رحلة مثمرة إلى منطقة الجوف. سمعت منهم الكثير من الأخبار الجيدة عن المشاريع الصحية الجديدة في المنطقة، ثم شاهدت تلك المشاريع على الطبيعة، وحضرت حفل تدشينها من قِبَل أمير المنطقة الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز وسط حشد كبير من أهل المنطقة. كانت ساعات سعيدة وجميلة عندما تجولنا مع الوزير وأركان وزارته، وشاهدنا المستشفى الجديد: مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي في سكاكا بسعة 300 سرير وبتجهيزات طبية حديثة متقدمة، ومركز السكري، ومركز طب الأسنان التخصصي. ثم شاهدنا بعد ذلك مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز في سكاكا بسعة 300 سرير. سمعت من الدكتور الربيعة ومن الدكتور خشيم الكثير من المعلومات المبهجة ليس فقط عن هذه المشاريع التي تم افتتاحها، ولكن أيضاً عن المدينة الطبية المرجعية التي ستغطي احتياجات المنطقة الشمالية بكاملها وليس منطقة الجوف وحدها وذلك بحلول عام 2016، وهي مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الطبية التي يجري إنشاؤها بهمة ونشاط، وقد سمعت أثناء تجوالي في المدينة الطبية من مديرها العام التنفيذي الدكتور نهار بن مزكي العازمي ما يسر ويبهج. يقول مدير عام الشؤون الصحية بالجوف الدكتور عبدالله المعلم: إن المشاريع التي تم افتتاحها توفر التخصصات النادرة والمختلفة التي لم تكن موجودة في المنطقة، وتتنوع تخصصات أطباء هذه المستشفيات الجديدة حيث «يوجد استشاري لجراحة الأوعية الدموية وللباثولوجيا الإكلينيكية ولأمراض القلب والغدد الصماء ولحديثي الولادة وللأشعة التشخيصية وللمسالك البولية والعناية المركزة وجراحة المخ والأعصاب وجراحة العيون وجراحة العظام واستشاريون للجهاز الهضمي والكبد والتوليد وأمراض النساء واستشاري للمايكروبيولوجي والمناعة ولجراحة الأطفال وللتشريح النسيجي ولجراحة المناظير وللكلى وللأنف وللحنجرة والأمراض العصبية والطب الطبيعي والروماتيزم». في بهو الفندق، الذي حلَّ فيه الوزير ومرافقوه، استوقفتني مجموعة من أعيان ووجهاء المنطقة ومعهم طلب للوزير بإيجاد قسم لعمليات جراحة القلب المفتوح. انضممت إليهم، وتقدمنا للوزير الذي أبدى اهتماماً كبيراً بهذا الطلب الملح، وكلي ثقة بأن الدكتور الربيعة سيلبي الطلب. كانت مدة رحلتنا أربعاً وعشرين ساعة، لكنها كانت حافلة بالمشاهدات والمواقف المبهجة، وسأكتب عنها في مقالي القادم إن شاء الله.