بصراحه، حاولت أن أمنع نفسي من الانخراط في الجدل الدائر بخصوص حالة الأم المنفردة أو العزباء -إذا جازت الترجمة- واخترت الانتظار لحين هدوء الأجواء نسبياً من حاملي ألوية الفضيلة، وحماة التقاليد الكرام الذين خاضوا حرباً مقدسة مع حماة الحريات الفردية والمدافعين عن تقدم الإنسانية الكرام أيضاً، في السطور المقبلة أعبر عن وجهة نظري ليست في الحالة التي تم تداولها على السوشيال ميديا فهي لا تعنيني، ولكن عن بعد جديد للمشكلة وحقيقتها. في نظري جوهر المشكلة هو ما يمكنني أن أطلق عليه فلسفة "التكتم"، الفلسفة دي باختصار تصنع تابوهات مقدسة لا يمكن تناولها، مجتمعنا العربي غارق والحمد لله حتى أذنيه في تابوهات بنت ستين في سبعين، تابوهات سياسية، وتابوهات اقتصادية، وتابوهات علمية، وتابوهات تاريخية، وتابوهات جغرافية، والأهم طبعاً التابوهات الجنسية. الجنس في حياتنا تابوه بمعنى الكلمة، لكن بالنسبة للمرأة في المجتمع العربي تابوه مضاعف، من وجهة نظري سبب ذلك رواج فلسفة الكتمان أو التكتم التي تحدثنا عنها، فهي تجعل كل ما يتعلق بالجنس والتجارب الجنسية الصواب منها والخطأ تابوهات محرمة، وقديماً استخدم مصطلح الكتمان للدلالة على الستر والإخفاء وعدم اطلاع الغير، قالوا: أحاط الأمرَ بالكتمان، بمعنى أخفاه عن النّاس أو تعهَّده بالكتمان، أو أن يقال تحت طيّ الكتمان بمعنى أنه مخفِيّ/ من دفائن الغيب وخباياه، وتراثنا مليء بالحكم والأمثال عن فضل التكتم والإخفاء، والكتمان مقابل التصريح والإعلان، والخلط يحدث دائماً بين الستر والكتمان والفارق بينهما كبير . الستر كما فى الحديث الشريف، ستَر الشَّيءَ: غطّاه، حجَبَه، أخفاه، "مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ فِي الآخِرَةِ" ، فإذا مرت فتاة بتجربة ما وأخفتها عن الجميع وتحملت هى وحدها كل تبعات الأمر ومعاناته فهى كتمت الأمر في طي الكتمان، ولكن إذا صرحت به لشخص يعينها على حل المشكلة وتفادي الصعوبات، هنا يحدث الستر الذي أمر به رسولنا الكريم، أي يحفظ السر ويستر صاحبه، ولا ستر بدون معرفة وعلم بالمشكلة، ولا معرفة بدون تصريح، وبالتالي لا ستر وصاحب الشأن يمارس الكتمان. أنا لا أريد أن أطيل في هذه النقطة، لكن شرحت بشكل موجز حتى لا نخلط بين دعوة الإسلام للستر وبين حق الإنسان في التصريح بما أصابه، وإلا هنا نناقض آية كريمة واضحة "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" (النساء: 148)، وفيه قول ابن عباس: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، ولكن من ظلم فلا حرج عليه أن يخبر بما نٍيل منه، أو ينتصر ممن ظلمه. وقد ذكر تفسير المنار للآية على النحو التالي: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، أي: لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحا ظلامته للحكام أو غير الحكام ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة الظلم - فلا حرج عليه في هذا الجهر، ولا يكون خارجاً عما يحبه الله تعالى؛ لأن الله تعالى لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظلم ويخضعوا للضيم؛ بل يحب لهم أن يكونوا أعزاء أباة، فإذا تعارضت مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم وهو من قول السوء، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوه والاستمرار عليه المؤدي إلى هلاك الأمم وخراب العمران، كان أخف الضررين مقاومة الظلم بالجهر بالشكوى منه وبكل الوسائل الممكنة. وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا جهر من وقع عليه الظلم للدفاع عن نفسه، وقال بعضهم: إن الجهر بمعنى المجاهر من استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل، أي: لا يحب الله المجاهرين بالسوء إلا المظلومين منهم إذا هبوا لمقاومة الظلم، ولو بالقول وحده إذا تعذر الفعل". هذه دعوة للنظر في جوهر فكرة وفلسفة التكتم، بمعنى لو افترضنا حضراتكم أن التكتم أو الكتمان أو الستر هو درع المجتمع العربي الحصينة فى مواجهة انحلال الغرب والإباحية، فده يعني أن ممارسة هذا التكتم تعني بالضرورة أننا حفظنا المجتمع من مساوئ وشرور، طيب إليكم بعض الأخبار التي طالعتنا بها الصحف منذ أيام قليلة قبل إعلان الأم السنجل عن نفسها بقليل، ومن قلب مجتمعنا المصري الريفي: من جريدة اليوم السابع بتاريخ الثلاثاء، 27 ديسمبر/كانون الأول 2016 فى أبشع جريمة هزت الشرقية، أمر المستشار هيثم الصغير رئيس محكمة القاهرة الجديدة، اليوم الثلاثاء، بحبس عامل 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بتهمة اغتصاب بناته الثلاث وإنجابه منهن أطفالاً. تحقيقات النيابة التي يشرف عليها مكتب النائب العام كشفت عن أن المتهم تجرد من كل مشاعر الإنسانية وارتكب جريمة تهتز لها السماوات والأرض بحثاً عن إشباع رغباته الجنسية، وعاشر بناته الثلاث معاشرة الأزواج، واغتصبهن تحت التهديد من طفولتهن حتى أنجب من ابنته الكبرى 18 سنة، طفلاً، وأجهضت في طفل آخر، وأنجب من ابنته 17 سنة، طفلاً، بينما طفلته الصغرى حامل فى الشهور الأخيرة. اعترف المتهم أمام المستشار هيثم الصغير رئيس محكمة القاهرة الجديدة، وحضور محمود نجيب ممثل النيابة العامة، بارتكابه للواقعة. الخبر ده يمكن استخدامه كنوع من دراسة الحالة وإليكم أهم التفاصيل: الاب كان يغتصب بناته بعلم الزوجة التي كانت تعلم برغبة الزوج في كل بنت وكانت بتطالب كل بنت "اسمعي كلام أبوكي واعملي اللي يطلبه منك". البنت الكبرى حملت وأصبحت غير قادرة على الجماع فانتقل لجماع بنته الوسطى اللي رفضت في البداية، لكنها رضخت للمعاشرة الجنسية؛ لأنهم ما يقدروش يحكوا حاجة حقيرة بهذا الشكل لأحد الأعمام أو الأخوال أو الأقارب. الطفلة الوسطى هي الأخرى حملت فطلب من زوجته معاشرة الطفلة الصغرى. أما صحيفة فيتو فنشرت في الأربعاء 11 يناير/كانون الثاني 2017 مزيداً من التفاصيل حول الواقعة: "بدأت تفاصيل الواقعة منذ 3 سنوات و6 شهور، عندما لاحظ الأب "سيد"، أن ابنته الكبرى "آية"، البالغة من العمر 24 سنة، أصبحت عروساً وبدلاً من أن يفكر في تجهيزها استعداداً لزواجها، أقدم على اغتصابها بعلم والدتها، وكانت حجته في فعلته هو أن زوجته لا تنجب أولاداً وهو كأي راجل شرقي يريد ولداً يحمل اسمه، وقال في التحقيقات: "اللي مراتي ما عرفتش تجبهولي.. بناتي جابهولي". بالفعل أنجب من ابنته الكبرى "آية"، طفلين، هما "يوسف" الذي توفي منذ عام، و"عبد الله" البالغ من العمر أكثر من عامين، وكان يتابع مع بناته فترات حملهن وكان يعلم نوع المولود ذكراً أو أنثى من خلال أشعة السونار، وإذا كانت المولودة أنثى كان يجهض بناته، وإذا كان المولود ذكراً كان يكمل لهن فترات حملهن. أما بالنسبة لابنته الثانية فترددت عدة شائعات في القرية التي يقطنون فيها، عن علاقتها بأحد الشباب بالقرية، وعندما وصلت تلك الشائعات لوالدها واجهها لكن لم يعاقبها، بل كان رد فعله تشيب له الرؤوس؛ حيث قال لها "بدل ما الغريب يغتصبك.. أنا أحق.. وهداري عليكِ"! ففضّل أن يأكل لحمها قبل الغريب!، بينما الفتاة الثالثة طالبة الإعدادية كانت تشاهده يفعل ذلك بشقيقتيها وحاول معها هي الأخرى، لكن لم ينجب منها لصغر سنها. والغريب أيضاً في الواقعة هو موقف الزوجة والدة الفتيات الثلاث، التي لم تثر من تصرفات زوجها، وتبلغ عنه، لكنها كانت تسجل أسماء أطفال بناتها من زوجها على اسمها واسم زوجها، لتصبح جدة الأبناء في الحقيقة هي ذاتها والدتهم كما بالأوراق الرسمية". هنا ننتقل إلى الحل الذي أنقذ الفتيات من جحيم رجل لا يستحق أن يطلق عليه لفظ الأبوة أو الرجولة أو حتى الإنسانية، الحل الذي أنقذهم من هذا الحيوان جاء وبسهولة بمجرد أن قررت ابنته الكبرى "آية" التي تعمل في النظافة التخلص من قيود التكتم والتحرر من نير الكتمان، وعندما علمت بوجود أحد الضباط بالمكان الذي تعمل به قصت عليه الواقعة كاملة، في البداية لم يصدقها لبشاعة الجريمة، وبعدها قرر أن يتصل بوالدها واستطاع إقناعه أن نجلته مريضة، وأنه أعطى لها مرتبها ومبلغ ألفي جنيه، في محاولة لجذب والدها بعد أن علم منها مدى عشقه للأموال، وبالفعل ذهب الوالد، وعندها تم القبض عليه وتسليمه لمكتب النائب العام. اعلم ما تفكرون به الآن، يا ليتها قالت من زمان، يا ليتها قالت عند أول محاولة لهذا الحيوان، لا أعتقد أنها كانت ترغب في الصمت بإرادتها، لقد وضعت في حسبانها عشرات الأشخاص _من غير ذوي القيمة الفعلية_ ماذا سيقول فلان وفلان وفلان عليا؟ ماذا سيفعل رب عملي؟ ماذا ستقول عليّ نساء القرية؟ سنوات وسنوات رضخت تحت ذل حيوان مريض حمل وإجهاض، وبمباركة أم لا تقل قذارة ولا تستحق لفظ الأمومة. أرأيتم ما الذي تفعله قيود الكتمان والخلط الجاهل بينه وبين الستر؟ أرأيتم ما الذي تفعله قيودكم الاجتماعية وتصوركم لمجتمعات المثالية والكمال والملائكية؟ أبشركم بشيء هذه المجتمعات لا وجود لها إلا في خيالكم أنتم فقط! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.