الرياض: عبد الإله الشديد تخوف كبير يعيش تفاصيله المستثمرون العقاريون في السعودية هذه الأيام؛ حيث يندرج هذا التخوف من مؤشرات ودراسات تفضي إلى انخفاض محتمل في الأسعار بنسب كبيرة تلامس الـ30 في المائة، بعدما دخلت وزارة الإسكان على خط توفير المنازل للمواطنين، ويغذي هذا التخوف العزوف المشهود الذي تحققه السوق العقارية التجارية منذ السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن أهم ما يميز السنة الأخيرة هو الانخفاض الكبير في المبيعات، الذي شهد أقل مستوى له في عمليات البيع؛ نظرا لاستمرار ارتفاع الأسعار. وقد دخلت السوق السعودية منحنيات مختلفة خلال العام الماضي، ما بين زيادة بسيطة في نسبة مبيعات الأراضي المنفردة، وانخفاض في مبيعات المباني، إلى ضمور في إنشاء المجمعات السكنية الكبيرة، وتناقص في مبيعات الفيللات والمنشآت التي تعود ملكيتها إلى المواطنين، ورغم توسع الحكومة المحلية في التصريح لطرح كثير من المخططات الجديدة لتحريك عمليات التملك، فإن الحالة العامة للسوق شهدت تباطؤا ملحوظا، إن لم يكن توقفا عن تحقيق مزيد من النمو في دولة تحتاج إلى خطوات كبيرة ومتسارعة لسد عجز الإسكان الذي يشكل مشكلة رئيسة. قال محمد الربيعان، مستثمر عقاري: «إن المشكلة تكمن في وزارة الإسكان، حيث إنها تتصدر المشهد الإعلامي من ناحية الإفصاح عن المشاريع والأرقام الفلكية للوحدات السكنية التي تقول إنها عازمة على إنشائها، إلا أن الواقع منذ إنشاء الوزارة قبل أكثر من ثلاث سنوات يقول غير ذلك، حيث إنها أسهمت بشكل مباشر في خفض حركة السوق إلى مستويات كبيرة دون أن تعلم، وكبدت بعض التجار خسائر فادحة». وأضاف: «هناك توجس كبير من تجار العقار من مستقبل الاستثمارات العقارية، خصوصا أن معظمها يقوم على توفير المنازل للمواطنين، إلا أن الوقت الحالي لا يبشر بالخير نتيجة العزوف الكبير الذي تشهده السوق، ما ينعكس سلبا على مبيعات السوق؛ ما اضطر بعض التجار إلى الابتعاد عنها حتى تتضح الرؤية». وقد أطلقت وزارة الإسكان أخيرا بوابة «إسكان» لجميع المواطنين في كل مناطق المملكة، ودعت الراغبين في الحصول على منتجات الدعم السكني ولا يملكون مسكنا مناسبا إلى التسجيل واستكمال بياناتهم عبر البوابة، وكذلك دعت المتقدمين إلى صندوق التنمية العقارية دون شرط الأرض؛ حيث تحتسب لهم الأولوية مقابل عدد سنوات الانتظار. وقال ناصر التويم الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة: «إن مؤشرات السوق العقارية تشهد استكانة، أو توقفا يلف قطاعاتها بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية، أو الصفقات الصغيرة التي تتم من فترة لأخرى، والتي تعد محركا بسيطا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية»، لافتا إلى أن الحال لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، إذا أخذ في الحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمان، وتنقص معها قيمتها، خصوصا أن بعضها تبلغ قيمته ملايين الريالات؛ ما يجعل الاستثمار غير مرغوب فيه مثل الفترات السابقة. يذكر أن الاستثمار في سوق العقار كان الأكثر رواجا خلال الفترات الماضية، خصوصا بعد نكسة سوق الأسهم عام 2008 الذي زاد شعبيته وتصنيفه بأنه من الاستثمارات الأكثر أمانا، إلا أنه في هذه الفترة يعد العقار من أكثر القطاعات ركودا، رغم تمسكه بقيمته، إلا أن الأيام المقبلة قد تحدث مفاجآت من العيار الثقيل لصعوبة بقاء حال القطاع على ما هي عليه الآن، ما يثير تخوفات بعض المستثمرين في هذه السوق المترددة. ويزيد التويم بأن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار، رغم تزعمه شتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية. وعن تأثير هذا الركود في الأداء العام للسوق، أوضح أن عمليات البناء شبه متوقفة، في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطا إضافيا على أداء القطاع الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوط، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يعجز عن تفسير ما يحدث فيها. من جهته، شخص إبراهيم العبيد الذي يمتلك شركة «العبيد للاستشارات العقارية»، حالة السوق خلال العام الماضي بأنها لا تسير بالشكل المطلوب، بل عكس معطيات الحالة الاقتصادية، إذ إنه في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد المحلي فائضا في موازنته وارتفاعا في العرض، فإن الطلب ما زال منخفضا منذ ثلاث سنوات، ولكن السنة الماضية كانت الأشد توقفا عن الطلبات؛ نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب، ما يثير حالة من التساؤلات حول أسباب توقف حركته، رغم حاجة السعودية إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية لسد العجز الحاصل في الإسكان، في دولة يسكن أكثر من نصف شعبها في منازل مستأجرة. يذكر أن السوق العقارية في السعودية لم تشهد منذ نشأتها أي انخفاض في الأسعار، بل هي في ازدياد مستمر نتيجة النمو المطرد، ولكونها دولة شابة تحتاج إلى مزيد من الاستثمارات العقارية بشكل مستمر لتلبية الطلب المتزايد على المساكن، وهو الأمر الذي يجعل ملف الإسكان أحد أهم الملفات التي تحرص الحكومة على حلها، ويرى المواطن السعودي أن توفير السكن على رأس أولوياته. وبالعودة إلى العبيد الذي حدد القطاعات العقارية الأكثر سكونا، فقد وضع على رأسها مبيعات الفيللات والمباني التجارية التي كانت تتزعم العمليات العقارية الأكثر نشاطا، إلا أن الأمور اختلفت وأصبح الهدوء أحد سماته الرئيسة، لافتا إلى أن اختصار وضع السوق خلال السنة الماضية هو عزوف عن الطلب رغم وفرة العرض، ما جعل السوق تعيش دوامة من الركود، رغم حاجة السكان للتملك. وفي الموضوع ذاته، استغرب ياسر المريشد، مستثمر عقاري، من حال السوق خلال العام الماضي؛ إذ من المعروف أن السعودية من أكثر الدول التي في حاجة إلى مزيد من الإنشاءات العقارية؛ ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشاريعها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية، لافتا إلى أن مشاريع كبرى كانت قد توقفت أو ألغيت بسبب نقص سيولة المواطنين الذين أصبحوا يتفرجون على المباني دون أن تكون لهم قدرة على امتلاكها، رغم تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات، لكنها لم تكن بالشكل نفسه الذي كان يطمح إليه المستهلك البسيط. وقد أعلنت وزارة الإسكان السعودية أن المتقدمين الذين أدخلوا طلباتهم عبر بوابة «إسكان» الإلكترونية سيتمكنون من الحصول على منتجاتهم السكنية بعد سبعة أشهر فقط، مضيفا أن مدة الانتظار ستكون مرتبطة بمدى حاجة المتقدم إلى السكن، وليس لأسبقية التقدم كما كان يحدث مع صندوق التنمية العقاري.