حسن اليمنى هل كانت القطرية والحدود السياسية كهوية بديلة عن الهوية العربية الإسلامية هي ما أوصلنا إلى أن يظهر بيننا من يصطف للجانب الصهيوني في عدائه للعرب المسلمين في قطاع غزة الفلسطيني؟ أم هل يفترض بنا أن نضرب بجماجمنا على الحائط عسى تتقلب عقولنا لنرى ونعي بشكل معاكس لما استوطن وجداننا وجرى بدمائنا وشربناه مع الحليب من أثداء أمهاتنا؟ الأمر جد خطير، فقد ظهر كتاب وإعلاميون عرب ومسلمون أشد نكالا علينا من العدو الصهيوني، يبرون عداوتهم هذه بعدائهم للإرهاب وكأن الإرهاب صار ماركة عربية وإسلامية، وإن كان وبكل أسف هناك جماعات عربية وإسلامية تسيغ لهذا التبرير الهمجي، إلا أن الخلط بين المشروع والمرفوض قد أتاح لبعض المهزومين من الكتاب والإعلاميين إلى الانجرار بقصد أو دون قصد إلى مصاف العدو كخنجر مسموم في ظهر الوعي العربي الإسلامي حتى ظهر فيهم من ينادي بإبادة المقاومة الفلسطينية بل وبأهل قطاع غزة العرب المسلمين بل وأدهى من ذلك من ينادي جيش عربي دفنت إسرائيل عساكره أحياء إلى الاصطفاف مع جيش العدو الصهيوني لتدمير غزة وإبادة أهلها، أمر لا يصدقه عقل لكنه حدث ولا زال يحدث، والأخطر في الأمر أننا لسنا أمام حالات شاذة من هذا المرض الخبيث ولكن هناك صحفا وقنوات فضائية أصبحت تنافس صحف وقنوات العدو الفضائية في بث السموم والخذلان والعداء لكل شرف عربي إسلامي، وإذا كان السياسي الصامت على ذلك يراها تخدم توجهه السياسي المرحلي فإن خطر هذا الانسلاخ عن الهوية يهدد الأمة في مصيرها على المدى البعيد، بل وهو أول المرشحين للانقلاب على حمايته السياسية بعد أن انقلب على نفسه وانسلخ من هويته العربية الإسلامية. إن الواقعية السياسية دون أن تحركها وتستنهضها رؤية مستقبلية ربما أثخنت العزيمة وكسرتها، وحين تصبح هذه الواقعية السياسية الخالية من رؤية مستقبلية خيارا استراتيجيا فإنها تبدأ بنخر المسلمات والأبجديات البديهية لتغيرها وتجعلها أعباء يستوجب التخلص منها لبناء مسلمات وأبجديات جديدة تتواءم وتناسب هذا الخيار الاستراتيجي المبني على واقعية سياسية هي في الحقيقة متحركة وغير ثابتة وهي طبيعة ومنطق الوقائع التي لا تتوقف عن التغير والتبدل، فتكون العملية في جوهرها تغير للقيم والمبادئ كمسلمات وأبجديات هوية، أي أنها أي الواقعية السياسية دون رؤية مستقبلية يظهرها ويثبتها فعل ملموس يحقق خطوة ظاهرة وواضحة للوعي العام هي بكل تجرد هزيمة وانكسار، فإذا دعم وأسند هذه الهزيمة والانكسار فكر وإعلام موجه مضاد للأسس والثوابت فهو إعلان صريح لا يحتاج لمزيد من التمعن لهذا الانكسار وهذه الهزيمة، وهو الذي أظهر لنا هذه الظاهرة المفجعة من تحول كتاب وإعلام مجلجل في الاتجاه المعادي للأمة. كما أن اليأس الجمعي من جدوى الواقعية السياسية الخالية من الرؤية والبناء الاستراتيجي لتغيير هذا الواقع هو أخصب أرضية لخلق حالات غاضبة متفردة ومتمردة عليه، وهو ما أظهر الجماعات المتطرفة في مواقفها على طبيعة واقعها، ومن المعلوم أن هذه الجماعات لا تبحث في العدالة الاجتماعية أو النظم الديمقراطية والحرية للإنسان، فهي ترتد بشكل تلقائي نحو التاريخ والماضي لتعيده في صورة لا تمس للواقع بصلة، والخطير في الأمر أن نصبح بين مهزوم منكسر وبين حالم واهم، فيصير من بقي مدافع عن الهوية والمسلمات والأبجديات الوجدانية المترسبة في الوعي العربي الإسلامي بين رحى التطرف في كلا الاتجاهين، فالمفرط يصنفه في خانة التطرف والمتطرف يصنفه في خانة المفرط والعدو يضرب ويستبيح وكلا الجانبين يقف في صف العدو بقصد وتعمد أو حتى بدونه وإنما نكاية بالمتطرف الآخر. إننا اليوم في أشد الحالات لاستعادة الهوية من أنياب الموصوفين بالإرهاب وأنياب الموصوفين بالاستغراب، ومن المجحف حقا أن يحارب المتطرف ولا يواجه المفرط وكلاهما أذى وضرر وهاتك لسلامة الهوية الجامعة والانتماء، الذي وإن حلت القطرية والحدود السياسية محلها إلا أنها في الحقيقة هي القوة والعمود الفقري لأمن وسلامة الأمة والتي لا يصح أن نخضعها لتقلبات الرسم السياسي المتموج مع تعرجات المصالح وتقاطعاتها المرحلية، إن هذه الفئات من الكتاب والإعلام النشاز لابد أن توقف قبل أن يستفحل شرها وأذاها في الوعي العربي الإسلامي، وإلا فإن هذه هي المقدمة الطبيعية لنحر الأمة بين طرفي رحى مجنونة كما هو حاصل اليوم بكل أسف، وإذا لم يكن الاصطفاف مع العدو في الموقف عار فما هو العار إذن؟. الجزيرة السعودية