كبرنا على معاجم لم تنصف الوطن، فلم يعرف الوطن من عرّفه بقطعة أرض، أو حفنة من تراب، ولم تتسع المفردات والكلمات لوصفه بعد، فالوطن أسمى من أن يعرّف مهما كتبنا ووصفنا، مهما فكرنا وتأملنا. الوطن تاريخ وإرث، وتضحيات وبطولات، الوطن قيادة وحكمة، الوطن نراه في دمعة أم الشهيد، في كلمة فخر قالها والده، في إصرار وأمل ومستقبل احتل عيون أبنائه، في اعتزاز ملأ قلب زوجته. تبدأ حياتنا بارتباطنا بأوطاننا، نولد ويولد الوطن فينا، علاقة عظيمة تبدأ على أرض الوطن لتنتهي فيها. علاقتنا بأوطاننا ليست علاقة ما تبقى للعمر، ولا إكمال لنصف الدين، بل هي علاقة عمر كامل، بماضيه، وحاضره، ومستقبله. فماذا قدمّنا لهذه العلاقة؟ هل أعطيناها الحنان والاهتمام؟ المحبة والمودة؟ الخدمة والواجب. مثل أي علاقة أخرى في حياتنا، لا نحب أن يكون الطرف الآخر متكلاً، فتخيلوا ردة فعلنا من ابن اعتاد الطلب فحسب، وزوجة تستمرّ مطالبها، وآخر اعتاد الاستحقاق، من الطبيعي أن نسأم، فلا علاقة ناجحة بلا عطاء وخير متبادل. قدّم لنا الوطن التعليم والمسكن، والمأكل، الرعاية الصحية والبنية التحتية، الأمن والسلامة، العدالة والنظام، التدريب والتطوير، الترفيه والسعادة، وغيرها الكثير. لسنا محظوظين بما يقدمه الوطن لنا فحسب، بل محظوظون أننا جزء من تاريخ يسطّر، ومرحلة وطنية ذهبية، فأي حقبة تاريخية عينّت فيها أصغر وزيرة للشباب بعمر الشباب لشؤون الشباب؟ وأي جيل تنافس لعضوية مجالس الشباب؟ لسنوات طويلة، قدّم لنا الوطن الكثير بلا تردد، ولا اكتفاء، أخجلنا بكرمه، وغلبنا بعطائه، فأي رد علينا الآن؟ وما أعظم الواجب؟ وماذا قدمنّا بالمقابل؟ أنمنّ على الوطن ببضع «تغريدات»؟ أم أناشيد وشعارات؟ أيكفي التطوّع لساعات؟ أو بضعة دراهم كتبرعات؟ توصّل مؤسس مدرسة علم النفس النمساوي، ألفرد أدلر، قبل عشرات السنين إلى أن أنجح وأسرع حل لعلاج الاكتئاب، والتغلّب على الشعور بالنقص، والسيطرة على الأنانية يمكن أن يتحقّق في 14 يوماً فقط، بحيث يعمل الإنسان في كل يوم على خدمة أو إسعاد أحدهم. المدة ذاتها هي ما تبقت لنا على رحيل أول شهر من هذا العام، 14 يوماً نستطيع خلالها خدمة الوطن عملياً، بفعل حقيقي يؤثر إيجاباً في أنفسنا، سواء نشرنا معرفة، أو زرعنا بذرة، أو أطعمنا جائعاً، أو نظفنا شارعاً، أو رسمت أناملنا لوحة، أو عبرت ألستنا بمعلقة. الفرصة أمامنا نحن الشباب الآن، مهما قصّرنا، ومهما ترددنا، ومهما تباينت أولوياتنا.. آن الأوان لإعادة ترتيبها، فلا عمل أرقى من خدمة الوطن، ولا شهادة أرفع من شهادة الوطن، ولا خبرة تضاهي بناء الوطن.. لا حجة لنا، فخدمة الوطن تتسع لكل المهارات والاهتمامات، خدمة الوطن لا يحدها المكان والزمان، سواء بالعلم أو القلم، بالبناء والدعاء، قولاً وفكراً وعملاً، وفي أي مجال. في عام الخير، لا خير فينا إن لم نعطِ للوطن من الخير، ونحن أهل للخير، أبناء زايد الخير. عضو مجلس الإمارات للشباب