ألقت روسيا بكامل ثقلها في الفترة الأخيرة إلى جانب الجنرال خليفة حفتر، بعد تعزز موقعه داخليا منذ أن سيطرت قواته على أغلب المنشآت النفطية وعلى أجزاء كبيرة من التراب الليبي، وازداد حجم التعاون بينهما في وقت تشهد فيه البلاد انسدادا سياسيا، فماهي خلفيات التقارب بين الطرفين؟ وهل بعد سوريا وبشار الأسد باتت روسيا تسعى إلى ليبيا من خلال التحالف مع حفتر؟ نجح حفتر في بناء علاقات قوية مع روسيا التي بدأ حضورها يبرز في ليبيا منذ منتصف العام الماضي واستطاع استمالة الروسيين إلى طرفه وفق ما تؤكد تصريحاتهم، فالتطورات الأخيرة في ليبيا أظهرت اهتمام روسيا بلعب دور أكبر في ليبيا من خلال دعم لا محدود لحفتر وللسلطات الحاكمة في الشرق. وكشفت الزيارات الرسمية التي قام بها حفتر لروسيا واجتماعه مع السياسيين الكبار في موسكو وكذلك التحاقه بحاملة الطائرات الروسية الشهيرة "الأميرال كوزنيستوف" التي وصلت إلى المياه الإقليمية الليبية والتقائه بالقادة العسكريين الروس تنامي العلاقة بين الطرفين وتقارب المواقف. وحصل حفتر على وعود روسية بدعم مطلق له لتقوية نفوذ قواته العسكرية حيث يعوّل على الجانب الروسي لمساعدته في إنهاء حظر التسليح المفروض على ليبيا، كما حصل على دعم عسكري شمل إمدادت لوجيستية وتدريبات لعناصر من جيشه، وتدخلت روسيا أيضا قبل أشهر في حل مشكلة السيولة النقدية من خلال تقديم دعم مالي لحكومة طبرق بقيمة 2.9 مليار دولار. ويرى مراقبون أن روسيا مقابل دعمها لحفتر حصلت على اتفاقيات جديدة من شأنها أن تحقق لها مكاسب اقتصادية كبيرة، وتمنحها دورا سياسيا في ليبيا، وتفتح لها بابا واسعا لاستعادة نفوذها في ليبيا الذي خسرته عقب سقوط نظام القذافي. ويشير كامل عبدالله الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن "التقارب الروسي مع حفتر تعززه عدة اعتبارات أولها حالة التنافس بين القوى الغربية بشأن الأزمة في ليبيا، إضافة إلى العلاقات المتميزة لروسيا مع مصر والجزائر أكبر جارتين معنيتين بليبيا إلى جانب رغبة روسيا في تفعيل الاتفاقيات السابقة مع ليبيا خصوصا العسكرية منها". وكانت روسيا قد أبرمت خلال نظام القذافي وبالتحديد عام 2008 صفقة سلاح مع ليبيا تقدر بأربعة مليارات و 400 مليون دينار ليبي تقضي بتوفير أسلحة للجيش الليبي، كما اقترح آنذاك القذافي على بوتين تعزيز الوجود الروسي في البحر المتوسط من خلال السماح له باستخدام ميناء بنغازي أو إقامة قاعدة عسكرية داخل ليبيا، إلا أن اندلاع الثورة وسقوط النظام في ليبيا حالا دون تنفيذ هذه الاتفاقيات والوعود. اليوم وبعد 6 سنوات من الثورة، تبدو روسيا أمام فرصة مواتية لتحقيق أهدافها ومصالحها التي لم تكتمل خلال نظام القذافي خاصة بعد أن التزمت ليبيا على لسان مسؤوليها المؤيدين لحفتر بتفعيل الاتفاقيات السابقة التي أبرمت بين ليبيا وروسيا قبل 2011 خاصة في مجال التسليح، معبرين عن استعدادهم لتوقيع اتفاقيات جديدة معها تشمل عدة مجالات. هذا يتوقف على "الموقف الغربي من تواجد روسيا في ليبيا إضافة إلى الموقف الجزائري الذي وعلى الرغم من العلاقات الجيدة والقوية بين موسكو والجزائر إلا أن هذه القوة لم يتم ترجمتها في ليبيا" حسب كامل عبدالله خلال تصريح مع CNN بالعربية. ولم تخف بعض الدول الغربية خاصة إيطاليا ومالطا خشيتها من تقارب روسيا مع السلطات في شرق البلاد حيث سارعت إيطاليا بفتح سفارتها في طرابلس وإرسال بوارج حربية إلى السواحل الليبية تحسبا لأي تطورات عسكرية في ليبيا، في حين حذّرت مالطا من دور روسيا في ليبيا. وفي تعليقه على التحرك الروسي، قال وزير الخارجية الإيطالي إنجيلينو ألفانو، إن "الاتفاقيات المحتملة بين الجنرال حفتر وروسيا والتقدم الروسي في الساحة الليبية بعد سوريا يدفعنا إلى مزيد من العمل ليكون لنا دور قيادي في المشهد الليبي حتى من خلال الحوار مع حفتر". من جهته اعتبر وزير خارجية مالطا، جورج فيلا في تصريحات صحفية قبل 3 أيام أن روسيا، التي "مولت حفتر، لها مصلحة استراتيجية في وضع موطئ قدم في وسط البحر الأبيض المتوسط"، مشيرا إلى أن "حفتر المدعوم من روسيا يمكن أن يبدأ حربا أهلية في ليبيا". ولدى الدول الأوروبية الواقعة على شاطئ البحر المتوسط مصالح كثيرة في ليبيا تتعلق خاصة بعديد الاستثمارات الكبرى خاصة في مجال النفط، إلى جانب أنها تعول كثيرا على المشاركة في مشاريع إعادة إعمار ليبيا، لكنها في الوقت نفسه تخشى هذه الأيام من أي صراع عسكري محتمل داخل ليبيا يقوده حفتر بدعم من روسيا تخوفا من تدفق اللاجئين إلى شواطئها. ومع استلام ترامب لرئاسة أمريكا قد تكون روسيا أمام فرصة لتعزيز تموقعها في الداخل الليبي وفي منطقة شمال إفريقيا، فاصطفاف ترامب إلى جانب السياسة الروسية المناهضة للإسلاميين والداعمة لجهود مكافحة الإرهاب تفتح المجال أمامهما للاتفاق حول طريقة التعاطي مع الملف الليبي . ولذلك اعتبر مصدر عسكري رفيع المستوى رفض نشر اسمه، في تصريح لـCNN بالعربية أن "توجه حفتر إلى روسيا جاء بعد فوز ترامب برئاسة أمريكا وأمله في وجود تفاهم وتقارب بين روسيا وأمريكا تستطيع من خلالها روسيا إقناع أمريكا بأهمية حفتر وتحويل الدعم له مقابل الضغط على الدول الأوروبية وباقي الدول لتأييد مشروعه والتخلي على الاتفاق السياسي". ويتوجس العديد من المراقبين من أن يتسبب الدعم الروسي للجنرال خليفة حفتر باسم مكافحة الإرهاب بالتصعيد في النزاع الليبي ويقوّض العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والمجهودات التي تبذلها دول الجوار في حل الأزمة سلميا. وفي هذا الجانب قال مركز كارنيغي للسلام الدولي في دراسة نشرها الشهر الماضي، إن الدعم الروسي الواسع لحفتر سيؤدي إلى الإطاحة بالعملية السياسية عبر انتفاء حاجته إلى التفاوض مع حكومة الوفاق الوطني، الأمر الذي قد يعود بنتائج عكسية على الأهداف الروسية المعلَنة بالتصدّي للإرهاب. وقالت الدراسة:" غالب الظن أن حفتر غير قادر على نشر الاستقرار في ليبيا بكاملها على الرغم من طموحاته، ومن شأن أي تقدم نحو الغرب أن يقحمه في نزاع مع العديد من المجموعات المسلّحة التي ترى فيه تهديدا وجوديا، ما قد يؤدّي إلى التصعيد أو إلى مزيد من الفوضى، وكلا الأمرين لا يساهمان في احتواء الجهادية".