في العام 2004 كنت في رحلة عمل لسنغافورة وهي أول رحلة عمل لي خارج الشرق الأوسط، ولم أكن أعلم في حينها أن الأسواق تغلق في الثامنة مساء ويستثنى من ذلك المطاعم والتي تستمر لعدد محدود من الساعات بعد الثامنة. في اليوم التالي سألت موظف استقبال الفندق عن مبررات الإغلاق، فأوضح أن المجتمع يميل للاستيقاظ وممارسة الحياة منذ وقت مبكر، وأهمية الإغلاق المبكر تتمثل في التيسير على موظفي المتاجر العودة إلى منازلهم والاستمتاع بجزء من وقتهم اليومي مع أسرهم أسوة ببقية موظفي القطاعين العام والخاص. حول العالم ممارسة الإغلاق المبكر للمحلات التجارية أمر دارج بل وفي بعض الدول لا تستثنى الصيدليات من الإغلاق المبكر كما هو الحال في المملكة المتحدة ما يحتم في حال الإعياء زيارة المستشفى ليلاً، بدلا من البحث عن بعض الأدوية أو المسكنات ومن ثم زيارة المستشفى في اليوم التالي، وبالطبع مثل هذه الممارسات التي لم تستثن حتى الصيدليات هي انعكاس لواقع مجتمعات منظمة تعي احتياجاتها مبكراً وتتأقلم معها. تعايش العالم ليس على الاستيقاظ مبكراً فحسب بل ومن بحث أفضل السبل للاستفادة من النهار بشكل أمثل من خلال تغيير التوقيت مرتين في العام إلى توقيت صيفي وآخر شتوي حيث يتم تغيير التوقيت لساعة تبكيراً أو تأخيراً لتغير وقت شروق الشمس لتعظيم الاستفادة من النهار في تنفيذ الأعمال والفعاليات العامة الأخرى، وقد كان الرئيس الأمريكي بنجامين فرانكلين أول من طرح الفكرة في العام 1784م، ولكن طبقها الألمان للمرة الأولى أثناء الحرب العالمية الأولى حيث كان الهدف من تطبيق النظام ترشيد استهلاك الطاقة ومن ثم تبعهم الإنجليز فانتشرت الممارسة حول العالم. عنا نحن يجب أن نعترف بأننا بارعون في ابتكار مختلف المنتجات التي تيسر لنا إضاعة الوقت والسهر، ففي مرحلة الثمانينات هنا في الرياض انتشرت ثقافة السهر على أرصفة الخطوط الدائرية، وفي التسعينات انتشرت ثقافة المخيمات، وبعد الألفية باتت الاستراحات داخل المدينة وعلى أطرافها، وما ينطبق على الرياض ينطبق على غيرها من المدن، تختلف الوسائل وتتفق الغاية، وأعتقد جازماً أن مثل هذه الممارسات التي ألفناها كبدتنا وتكبدنا الكثير من الفاقد في الوقت الذي ينعكس على إنتاجية المجتمع وإنفاقه على مصارف الترفيه. إغلاق التاسعة في تقديري الشخصي من أهم القرارات الإستراتيجية التي يمكن أن تطبقه الدولة ليس فقط للوظائف البالغة 42 ألفاً التي ستتوفر من تطبيق مثل هذا القرار، وليس لتوفيرها المناخ الملائم لتوظيف قوى العمل الوطنية من الجنسين في المتاجر فحسب، بل سيساهم القرار في تعزيز انتشار الوظائف بدوام جزئي في المجتمع وهي ممارسة دارجة حول العالم، وفي المملكة المتحدة يوجد أكثر من 9 ملايين فرصة عمل بدوام جزئي والأهم من كل ذلك، تطبيق القرار سيساهم في إعادة هيكلة المجتمع وثقافته وعاداته الاستهلاكية إن طبق القرار مع قرارات أخرى مساندة كتطبيق التوقيت الصيفي والشتوي وتقديم عمل موظفي القطاع العام والتعليم لساعة ما يحصر ثقافة السهر في المجتمع التي كلفتنا فاقداً عبر عقود من الزمن لا يقدر بثمن.