طالبت المديرة العامة لمؤسسة الملك خالد الأميرة البندري بنت عبدالرحمن الفيصل عبر «عكاظ» بعد إطلاق المؤسسة لتقرير تطوير منظومة الدعم في المملكة، الجهات الحكومية بتطوير آليات الاستحقاق لتقديم الدعم الحكومي، من خلال تبني منهجية وطنية موحدة لقياس خط الفقر النسبي وتحديد الحد الأدنى للكفاية، للانتقال من منظومة الدعم الحكومي التقليدية إلى منظومة حماية اجتماعية شاملة. وعرضت الأميرة البندري استعداد مؤسسة الملك خالد لاحتضان ورشة عمل وطنية تجمع من خلالها صناع القرار والخبرات والكفاءات الوطنية في علم الاجتماع والإحصاء والاقتصاد، والجهات المقدمة للدعم لتبني منهجية ملائمة للوصول لخط الفقر النسبي، بما يضمن الوصول إلى تعريف دقيق للفئات المستحقة للدعم. وأكدت إن إصدار الدراسات والبحوث نشاط استراتيجي لأي مؤسسة غير ربحية، لإحداث تأثير وتغيير إيجابيين على بنية الأنظمة والتشريعات، بما يحقق التنمية في المجتمع، مطالبةً المؤسسات غير الربحية بالتحرُّر من نشاطاتها الرعوية القائمة على المنح والعطيات، وتركيز الدعم -عوضاً عن ذلك- على المشاريع ذات النمو المستدام؛ التي من خلالها يستطيع المشروع الاستمرار والتطور والاستغناء عن الداعم. حول توجهات المؤسسة وأهدافها من تبنيها للدراسات والبحوث في العديد من الظواهر الاجتماعية والتنموية في المملكة، نستعرض ذلك من تفاصيل هذا الحوار: * طالبت المؤسسة في تقريرها بتوحيد نشاطات وبرامج الدعم بين الجهات الحكومية..هل ترون ذلك ممكناً في ظل وجود أكثر من جهة ترعى جانباً من الدعم؟ * * نعم، نرى ذلك ممكناً، وقد قمنا في التقرير بتقديم التوصيات والحلول التي من شأنها جمع هذه البرامج، وتوحيد نشاطاتها على كل المستويات. نرى اليوم دعماً حكومياً كبيراً لكننا نظن أنه بفعل غياب توحيد الجهود وتنسيقها، فإن أثر هذا الدعم بات مشتَّتاً وأقلّ مما يجب أن يكون عليه، لذا دعونا في المؤسسة الجهات ذات العلاقة إلى وضع منظومة مترابطة ومتكاملة للحماية الاجتماعية في المملكة بما يضمن استهداف المستحقين وإيقاف انتفاع الميسورين. كما قمنا في مؤسسة الملك خالد بتعزيز توحيد تلك النشاطات بالدعوة إلى تبني منهجية وطنية موحدة لقياس خط الفقر النسبي بما يتلاءم مع الوضع الاقتصادي للمملكة، ويقبل التحديث في المستقبل. الحد من الهدر * ما الإسهام الذي تتطلعون في المؤسسة إلى تحقيقه من خلال إصدار التقرير، خصوصاً في ظل توجه الحكومة نحو إقرار الدعم عبر برنامج «حساب المواطن»؟ * * نحن ننطلق من أحد أهم توجهاتنا الإستراتيجية قطاعا غير ربحي، وهي إعانة صانع القرار من خلال الدراسات والتقارير والأوراق المبنية على الأدلة والبراهين التي من شأنها التأثير بشكل إيجابي على صناعة القرار والمنظومة التشريعية والقانونية في المملكة. وقد وجّه خادم الحرمين الشريفين في وقت سابق بـ«مراجعة منظومة الدعم الحكومي، مع التدرج في التنفيذ لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، مع مراعاة تقليل الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل»، لذا تحاول مؤسسة الملك خالد عبر هذا الإصدار، أن تساعد في الاقتراب خطوة للوصول نحو هذا الهدف، من خلال استعراض منهجيات قياس خطوط الفقر وتطبيقاتها في المملكة، وقياس الحد الأدنى للكفاية للأسر السعودية. ونرى في المؤسسة من خلال هذا التقرير على ضرورة أن يكون برنامج حساب المواطن -حتى بعد جمع برامج الدعم والإعانات فيه- جزءاً من منظومة الحماية الاجتماعية الشاملة وليس بديلاً عنها؛ إذ تحتوي الحماية الاجتماعية على مكونات أخرى مثل برامج التأمين الاجتماعي وتدابير سوق العمل. التاثير الإيجابي * سبق أن تبنت المؤسسة عدداً من الدراسات حول بعض الظواهر الاجتماعية.. كيف رأيتم تفاعل صانع القرار من الجانب الحكومي؟ * * نعتقد أن المؤسسة تملك رصيداً مميزاّ يخوّلها لأن تلعب دوراً حيوياً على صعيد التأثير الإيجابي في المنظومة التشريعية والقانونية في المملكة، وذلك من خلال الأبحاث والدراسات التي نشرتها سابقاً. وهناك الكثير من الأنظمة التي نراها اليوم مطبقة ومفعَّلة، كانت المؤسسة هي من دفع بها ووقف خلفها من خلال دراساتها وأبحاثها. ولقد كانت استجابة صانع القرار والجهات الحكومية المعنية إيجابية وفعالة جداً، بدليل تبني الحكومة عدداً من المبادرات المستقاة من أبحاث المؤسسة مثل دراسة «الإجراءات المنظمة للطلاق وما يترتب عليه» المُنجزة ضمن تحالف خيري ضم المؤسسة إلى جانب كل من جمعية مودة الخيرية للحد من الطلاق وآثاره، ومؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، وجمعية النهضة النسائية، وبرنامج الأمان الأسري الوطني، ودراسة «اتجاهات الشباب الجامعي نحو الفحص الطبي لغرض الزواج»، ودراسة «مشروع نظام الحد من الإيذاء»، ونتطلَّع أن يكون تقرير تطوير منظومة الدعم في المملكة أحد هذه المشاريع التي تجد فيها الجهات الحكومية المعنية ما يعينها على تحديد الفئات المستحقة للدعم. كما أن ما تشهده المملكة اليوم من مبادرات حكومية لمراجعة السياسات والأنظمة، يملي على كل الأطراف، سواء الحكومي أو القطاع غير الربحي أو الخاص، بأن تتكامل في أدوارها، وهو ما شدَّدت عليه -صراحةً- رؤية المملكة 2030، لذا نرى في مؤسسة الملك خالد أهمية أن نضطلع بدورنا منظمةً مجتمع مدني تهتم بالتنمية، وندعو جميع المؤسسات العاملة بالقطاع غير الربحي في المملكة إلى مضاعفة إسهاماتها في هذا الجانب، من خلال دعم عملية صناعة القرار في المملكة، والمشاركة في تصميم السياسات، لأننا مؤمنون أن الأثر الملموس من التأثير الإيجابي على السياسات والإجراءات الحكومية يفوق أثر البرامج التي يقوم بها القطاع غير الربحي لوحده دون الشراكة مع الجهات الحكومية والتشريعية. مفهوم خاطئ * مازالت الصورة العامة حول أدوار مؤسسات القطاع غير الربحي محصورة في الهبات والمنح، هل إصدار مؤسسة الملك خالد للتقارير والدراسات انصرافٌ عن توجهاتها الأساسية مؤسسةً غير ربحية؟ * * أكبر مفهوم خاطئ حول دور مؤسسات القطاع غير الربحي هو أنها مؤسسات رعوية قائمة على الهبات والعطيات. ومع الأسف أن بعض المؤسسات العاملة في القطاع غير الربحي هي من ساهم بتكريس هذه الصورة الذهنية الخاطئة في أوساط الناس والمؤسسات العامة والخاصة كذلك؛ من خلال إمَّا الإخفاق في إبراز أدوارها الأساسية أو من خلال التركيز فعلاً على جوانب الإعانات والهبات التي تفتقد إلى الهدف التنموي والعمل المستدام. الأصل في الدعم الذي يقدمه القطاع غير الربحي ليس الهبات ولا المنح ولا الأعطيات، بل أن يكون مرتبطاً بالاستدامة؛ التي من خلالها يستطيع المشروع الاستمرار والتطور والاستغناء عن الداعم. أما موضوع إصدار الدراسات والبحوث فإنه نشاطٌ لا يقع في خانة الترف، بل يقع ضمن صميم التوجه الإستراتيجي لأي مؤسسة غير ربحية في العالم، والهدف من تبني القطاع غير الربحي للدراسات ونشر التقارير، هو إحداث تأثير وتغيير إيجابي على بنية الأنظمة والتشريعات، بما يحقق التنمية في المجتمع، وهو الهدف الإستراتيجي الذي تعمل من أجله مؤسسات القطاع غير الربحي. وبالنسبة لنا في مؤسسة الملك خالد، كان هذا الهدف واضحاً لنا منذ إنشاء المؤسسة، ونوليه عنايةً كبيرة، وننظر إليه توجها إستراتيجيا لا يستقيم عمل المؤسسة من دونه. كما أن كثيراً من منظمات المجتمع المدني العالمية بدأت تبتعد عن العمل الميداني (مثل التدريب، وتوزيع الهبات، وتقديم الخدمات لمستفيدين محدودين)، وتركز على قيادة التأثير في صناعة القرار وتصميم السياسات ونشر الأبحاث والعمل على التواصل البناء مع صناع القرار ومحاولة رفع الوعي. منهجية وطنية * استخدمتم في تقرير تطوير منظومة الدعم منهجيات دولية قد تتعلق بظروف اقتصاديات تلك الدول، فهل يمكن تعميمها على السعودية؟ * * بلا شك أن لكل دولة ظروفها وحاجاتها في ما يتعلق بموضوع الفقر، لكن كان من المهم التعرف على تجارب الدول المختلفة، وإظهار أن استخدام كل منهجية يجعلنا نصل إلى رقم مختلف. لذا كانت توصيتنا الأولى في التقرير هي الدعوة إلى تبني منهجية وطنية لقياس خط فقر متناسب مع السياق السعودي، والمؤسسة على أتم الاستعداد لاحتضان ورشة عمل وطنية تجمع من خلالها صناع القرار والخبرات والكفاءات الوطنية في علم الاجتماع والإحصاء والاقتصاد، والجهات المقدمة للدعم لتبني منهجية ملائمة للوصول لخط الفقر. * هل تعتزمون في المؤسسة مواصلة بحث موضوعات الدعم والظواهر الاجتماعية من خلال بحوث أو دراسات جديدة؟ * * نعم بالتأكيد، وكما تم تبيانه سابقاً بأن موضوع التقارير والأوراق هو توجهٌ إستراتيجي لنا في مؤسسة الملك خالد منذ إنشائها. ولتعاظم أهمية هذا الموضوع في توجهاتنا، فقد قمنا أخيرا بإنشاء وحدة خاصة داخل المؤسسة لتحقيق هذا الغرض، وهي وحدة تُعنى بتصميم السياسات المبنية على الأدلة والبراهين عن طريق الدراسات وجمع وتحليل الأدلّة الموثّقة، إضافة لرفع الوعي وحشد التأييد للتأثير الإيجابي على صناعة القرار، وابتكار الحلول والسياسات لمعالجة القضايا التنموية. لكن الأهم من هذا كله، هو أننا لا نعمل كمؤسسة قطاع غير ربحي منفردين أو منعزلين عن توجهات الدولة في رؤية 2030، بل نعمل لأن نكون جزءاً لا يتجزَّأ منها، وأن نحقق تطلعاتها وأهدافها نحو تطوير القطاع غير الربحي بما يضمن مساهمته بشكل حقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة.