كيف نحول الصحافة الاقتصادية إلى صحافة شعبية؟ د. ياس خضير البياتي للصحافة الاقتصادية دور مهم في الحياة لا يقل أهمية عن الصحافة السياسية، ولا يمكن أن ننكر أن خفايا التغيرات السياسية مرجعها اقتصادي بحت، وبالتالي فإن الصحافة الاقتصادية هي مرآة تعكس وضع اقتصاد البلد ومستوى المعيشة فيه شريطة أن تكون ذات مصداقية لا أن يكون فيها تجميل للوقائع أو مغالاة في الأرقام. وبدون شك فإن هناك أزمة حقيقية ترتبط بالثقافة الاقتصادية للمواطن العربي، وهي ثقافة هشة ترتبط بعوامل عديدة أبرزها إدارة النظم التعليمية والاجتماعية والثقافية للحياة، إضافة إلى ضعف تقاليد القراءة ونمطيتها، خاصة في المجال الاقتصادي، حيث يتضح أن معظم الناس لا يميلون إلى قراءة المواد الاقتصادية ويعتبرونها مادة ثقيلة غير مفهومة، ولا ترتبط بحياتهم اليومية، بل إن البعض يعتبرها ترفا يخص فئة محددة من الجمهور، وهي فئة رجال الاقتصاد ورجال الأعمال. وبقدر ما هي أزمة قارئ، فإنها أزمة صحيفة اقتصادية، وصحافي متخصص، إذ تبدو صناعة الأخبار والتحليلات قوالب جامدة بدون حياة وتفتقر إلى الجاذبية والتشويق، حيث يفترض أن تساهم بإثراء الطرح وتبسيط المعلومات بالرسوم البيانية والغرافيك، ليستطيع القارئ استقاء المعلومة بشكل صحيح مبسط، وتحويل الموضوعات ذات الوزن الثقيل إلى موضوعات محببة للقارئ من خلال ربطها بحياتهم اليومية. فالصحافيون الجيدون يركزون على كيفية تأثير الأرقام على الإنسان العادي. إذ أن إدخال الناس العاديين في القصة الإخبارية سوف يزيد عدد قراء المقال، ويجعلهم ذوي صلة بالواقع ويبرهن على الآثار الملموسة التي تتركها البيانات المجردة على الناس الذين تكتب القصة الإخبارية لهم وعنهم. إن مهمة الصحافة المباشرة هي ترجمة اللغة الاقتصادية الصعبة للمواطن البسيط، مع ضرورة التركيز على مجمل الأخبار التي تنعكس على استهلاكه من ارتفاع للسلع الأساسية وأسعار العقار وغيرهما من الأمور التي تؤثر عليه بشكل مباشر، فتبسيط المفاهيم الاقتصادية فن في حد ذاته، حتى لا يقع المواطن في المشكلة المزمنة وهي عدم الإدخار والتي تنطبق على معظم المواطنين في الخليج، إذ أن الإجازة والترفيه بالسفر إلى إحدى الدول كفيلان بتفريغ كل ما ادخر خلال عام، فلا بد من توعية المواطن لادخار الأموال بالشكل الصحيح أو استثمارها في المشاريع الصغيرة مثلا. وبدون شك، فإن الصحافة الاقتصادية والمالية لها دور توعوي وثقافي في تعميق ثقافة القارئ بالقضايا العالمية مثل الأزمات المالية والانهيارات المصرفية وانعكاساتها على الدول المصدرة للنفط وأثرها على مجتمعنا، والاستفادة من توابعها، بإبرازها في قوالب إعلامية يستفيد منها الوطن، كما يفترض إبراز الفكر الاقتصادي الإسلامي في قوالب صحافية، خصوصا وأن الغرب استعان بهذا الفكر مؤخرا بعد أزمة الرهن العقاري. ولسوء الحظ مازال الكثير من الصحافيين يستخدمون المصطلحات الاقتصادية الغامضة التي يستعملها رجال الاقتصاد والمال بدلا من اللغة البسيطة والواضحة، وهو أمر لا يتفق مع سايكولوجية القارئ العربي وثقافته وبيئته. لأن المصطلحات الاقتصادية المتخصصة كثيرا ما تسبب البلبلة والملل، وهذا يتطلب من الصحافي تبسيط المصطلحات وشرحها، لأنها مازالت عند القارئ تمثل شفرة غامضة تحتاج إلى فك رموزها. عربيا، يشير الواقع العربي إلى ندرة “الصحافي الاقتصادي” الآتي إلى ميدان الصحافة من مرجعية اقتصادية وأكاديمية، وهو ما توفر لدى الغربيين. كما نجد أن هناك إشكاليات ترتبط بالصحيفة وسياستها، وأيديولوجية الدولة ونظامها الاقتصادي، منها عدم وضع حدود فاصلة بين الإعلان والتحرير، والتخلص من صحافة الاستعراض والترويج وبيانات العلاقات العامة. وهذا يعني الحاجة إلى تبني صحافة الاستقصاء والتقييم والنقد، وكذلك ممارسة صحافة الدراسات والتحليلات والتحقيقات والآراء من أجل نشر الوعي الاقتصادي في المجتمع. وهذا يحتاج إلى صحافة اقتصادية قوية، فاعلة وناقدة، وتحرير المؤسسة الإعلامية من القيود والضغوط المهنية والتنظيمية، وحماية الصحافي حتى يجرؤ على النقد والتقييم وكشف الأخطاء والتجاوزات والسلبيات. ومثلما يرتبط تعميق ثقافة القارئ بالموضوعات الاقتصادية وانجذابه لها من خلال سياساتها الصحافية، فإن الصحيفة مطالبة أيضا بخلق كوادر صحافية متخصصة في الاقتصاد والمال، لأن القاعدة الذهبية أنه كلما كان الصحافي متخصصا في المجال الاقتصادي والمالي كان قادرا على إيصال المعلومة بالشكل الصحيح والمبسط وكشفها، سواء كانت صحيحة أو مبالغا فيها. ولو تمحصنا ما يقوم به البعض من الصحافيين غير المتخصصين بالمجال الاقتصادي أثناء نقلهم للمعلومة لاكتشفنا العديد من الأخطاء التي تحوّل الصحافي ناقلا فقط، وليس ناقدا للخبر. ولنعترف أخيرا، بأن الواقع العربي يشير إلى وجود فجوة بين حركة التنمية والاقتصاد من جهة، والصحافة الاقتصادية من جهة أخرى. كاتب عراقي سراب/12