يتعامل الآباء الـشبـان في الـسـعودية الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ35 سـنة مع أبنائهم بودّ وعاطفة، من خلال استخدام أسلوب اللين معهم، لئلا يتعرضوا لصدمات نفـسـية قد تـسبب لهم أمراضاً في المستقبل. ويبدو أن النهضة التي تشهدها المملكة ساهمت في تغيير طريقة تعامل الآباء الشبان مع أبنائهم، إذ أصبح الطفل مُطلّع على طرق التربية في دول العالم، من خلال الأجهزة الذكية، على العكس تماماً من والده الذي كان يتعرّض لألفاظ يغلب عليها العنف. وكان الضرب الوسيلة الوحيدة في تربيته آنذاك. يقول نواف الخالد (32 سنة): «تعاملي مع طفلَي مختلف تماماً لتعامل والدي معي، فأنا أحرص على عدم رفع صوتي عليهما، كون أطفال الجيل الحالي ليسوا مثلنا، وظروف المعيشة اختلفت». ويضيف: «أن الأطفال باتوا مطلعين على أساليب التربية من خلال أجهزة الـ «آي باد» والتلفزيون»، ويوضح: «ليس تعامل الآباء مع أبنائهم تغيّر فقط، حتى المعلمين تغيرت طريقة تربيتهم طلابَهم، إذ منعت المدارس القسوة مع الأطفال، ما ساهم في إيجاد طرق حديثة للتربية»، لافتاً إلى أنه يستخدم أساليب عقاب مختلفة عن التي اعتمدها والده. فمثلاً يمنع الطفل من استخدام جهاز الـ «بلايستيشن» أو الـ «آي باد» لساعات أو ليوم واحد فقط. ويؤكد وليد الناصر (35 سنة) أنه لا أحد يستطيع أن يفضل حياته على حياة والده، «نحن نعاني من الإفراط في الليونة والتجاوب مع الحياة الاستهلاكية. في ما يتعلق بالجيل الجديد، الآباء لم يعودوا أقوياء، ولم تعد لديهم الهيبة كما في الماضي، وأصبحوا يعتمدون في التعامل مع الأطفال والأمهات جانب اللين والرفق، حتى بات جانب الضعف والخضوع للأسرة أشدّ ممن قبلهم». ويذكر سلطان (34 سنة) أن الآباء الشبان ربما يستخدمون الليونة مع أطفالهم بسبب ما واجهوه من عنف من آبائهم في السابق، ويقول: «تجد الأب الذي لا يزيد عمره عن 35 سنة يحاول عدم إزعاج ابنه، حتى في ما يتعلّق بالدراسة، فهناك آباء يؤدون الواجبات المدرسية في المنزل عن أبنائهم»، مشيراً إلى أن حياة الرفاهية ساهمت في إيجاد أطفال لا يدركون معنى المسؤولية التي يتحمّلها والدهم أثناء تربيتهم. ويرى مختص علم النفس الإكلينيكي طلال الثقفي أن مفهوم التربية الحديثة تُراعى فيه التغيرات التي طرأت على المجتمعات باختلاف ثقافاتها ومفاهيمها، وما يميز هذا التنوع هو اللغة والمعتقدات الفكرية التي يحملها كل مجتمع. ويقول الثقفي: «في السابق كانت التربية تأخذ شكلاً معيناً شبه متطابق ومتجانس بين المجتمعات المختلفة، على رغم من وجود تغير. لكن هذا التغير لم يؤثر في شكل كبير في أنماط التربية العامة، إذ كانت الأسرة الممتدة تمارس دوراً كبيراً جداً في تربية الطفل وتكوين معارفه ومداركه وأيديولوجياته، لذا كان أكثر ما يميز التربية في الماضي هو النمط الواحد المتشابه الذي يسود الأسر كلها حيث إن السلطة كانت بيد ربّ الأسرة والأعضاء الأخرين بمن فيهم الأم والأشقاء الكبار والجد والجدة»، لافتاً إلى أن المسؤولية الاجتماعية كانت تُمنح للأبناء باكراً، وهذا كان أكثر ما يميزها عن التربية الحديثة. ويضيف الثقفي: «في العصر الراهن تشكلت لدينا مفاهيم تربوية جديدة نتيجة حجم التغيّر والتباين الكبير في معطيات الحياه، إذ أصبح شركاء التربية كثراً. التحول الكبير في عالم التقنية والمعلوماتية رافد حقيقي في تكوين المفاهيم والقيم والمبادئ التي تشكّل البناء الثقافي للأبناء، وأكبر التحديات التي تواجهنا، وكذلك الكم الهائل الذي توفره وسائل الاتصال والإعلام».