مع بداية عام 2017، تدخل صناعة النفط العالمية في مرحلة دقيقة جداً، وذلك على المدى القصير وعلى كل من المديين المتوسط والبعيد. على المدى القصير أي خلال الأشهر المقبلة، تبرز مسألة نجاح اتفاق تحديد الإنتاج المبرم بين بلدان منظمة «أوبك» والدول المنتجة غير الأعضاء فيها. وهذا يعني أهمية الالتزام بمعدلات الإنتاج للدول الـ 24 المنتجة التي اتفقت على تحديد الإنتاج لتحقيق الاستقرار في الأسواق. وتدل التجارب السابقة لتخفيض الإنتاج، على أن إمكانية النجاح عالية خلال الأشهر الأولى للاتفاق لكن المحك الحقيقي هو مدى الالتزام لاحقاً عند ارتفاع الأسعار، إذ قد تحاول دول كثيرة زيادة الإنتاج للاستفادة من فرصة الربح. وهناك أيضاً مسألة نجاح التعاون وبناء الثقة بين أعضاء المنظمة والمنتجين الآخرين، خصوصاً نجاح التعاون الاستراتيجي النفطي بين السعودية وروسيا، أكبر دولتين منتجتين في العالم اللتين وقعتا اتفاقاً في أيلول (سبتمبر) الماضي، يقضي بالتعاون بينهما من أجل استقرار الأسواق العالمية بالتعاون مع بقية المنتجين. وهناك على المدى القصير إمكانية نجاح اللجنتين المؤسَّستين لمراقبة إنتاج كل الدول التي اتفقت عام 2016 على خفض الإنتاج. وستستمر «أوبك» في الاعتماد على «المصادر الثانوية» من وسائل الإعلام والدور الاستشارية الطاقوية، بالإضافة إلى عمل اللجنتين المراقبتين، في تحديد إنتاج أعضائها. يذكر أن المنظمة حاولت في الماضي تشكيل لجان رقابية للإنتاج، لكنها لم تنجح في مساعيها هذه، بسبب صعوبة عملية الرقابة. من نافل القول إن هذه تحديات مهمة وستراقبها الأسواق بدقة. وعلى عدم الإعلان رسمياً عن النطاق السعري المنشود، تشير مصادر كثيرة إلى أنه يتراوح بين 50 و60 دولاراً للبرميل. ولو انخفض متوسط السعر في 2017 إلى أدنى الأربعينات، سيشكل ذلك ضربة قاصمة لموازنات الدول المنتجة لسنة رابعة على التوالي. أما إذا ارتفع إلى أعلى الستينات أو اقترب من السبعينات، فذلك سيعني أن الإمدادات من النفوط غير التقليدية (النفط الصخري والنفوط من أعماق البحار) ستغزو الأسواق ثانية وبسرعة لأنها تحتاج هذا المتوسط السعري لتحقيق ربحيتها اللازمة، وستخلق تخمة جديدة من الإمدادات ما سيعني نشوب أزمة أسعار أخرى. أما على المديين المتوسط والبعيد، فالتحديات تكمن في مبادرة الدول المنتجة في تنويع اقتصادها، وعدم الاستمرار في الاعتماد الاقتصادي الشامل على تصدير الموارد الهيدروكربونية. وفي المدى البعيد، هناك كذلك كيفية التعامل بين دول النفوط التقليدية وغير التقليدية، علماً أن الصناعة غير التقليدية هي في بداية عهدها نسبة إلى النفوط التقليدية. ومعروف أن كلفة إنتاج النفوط غير التقليدية تتراوح بين 50 و80 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 10 - 30 دولاراً للنفوط التقليدية. والأهم من ذلك أن الدول الصناعية الغربية مهيمنة على صناعة النفوط غير التقليدية، كما أنها لا تشارك في محادثات استقرار الأسواق، في محاولة منها لأن تستفيد من ارتفاع الأسعار لدعم صناعاتها الفتية. في المقابل، تعتمد الدول المنتجة للنفوط التقليدية اعتماداً شبه كلي على صادرات النفط، لذلك أصبح حيز المناورة ضيقاً، ما يعني أن اقتصادات الدول النفطية التقليدية لا تتحمل تدهور الأسعار لفترات طويلة. هذان التحديان الأخيران مترابطان، فمن ناحية، هناك خطورة انهيار الأسعار خلال فترة قصيرة، إذ استطاعت صناعات النفوط غير التقليدية خفض نفقاتها في شكل ملموس، وتحسين تقنياتها ومحاولة التوسع في دول منتجة كثيرة غير الولايات المتحدة وكندا، وإن في شكل محدود جداً. لكن عدم التنسيق مع «أوبك» لاستقرار الأسواق، ومحاولة إلقاء كامل المسؤولية ثانية على كاهل المنظمة، سيعني تكرار ما حصل خلال السنوات الثلاث الماضية من تدهور للأسعار. وأصبح واضحاً أن «أوبك» لا تستطيع وحدها تحقيق استقرار الأسواق في ظل المعطيات الجديدة، إذ بلغت إمدادات النفط الصخري وحده نحو خمسة ملايين برميل يومياً في ذروتها عام 2014. وفي حال عدم إطلاق الدول المنتجة اقتصادات منتجة متنوعة ومحاربة الفساد، ستتكرر الصدمات عند الدول المنتجة. والتفاوض بين المجموعتين ليس بالأمر السهل، إذ إن قوانين الولايات المتحدة تعتبر «أوبك» منظمة احتكارية لا يمكن التفاوض معها. وصناعة النفط الصخري تديرها العشرات من شركات الاستثمار الصغيرة الهادفة إلى الربح السريع، بخلاف الاستثمارات الطويلة المدى للشركات النفطية المعروفة، ما يجعل من الصعوبة التفاوض مع الشركات الاستثمارية المتعددة. دقت «أوبك» جرس الإنذار عام 2014 لمنازلة طويلة المدى مع الدول المنتجة للنفوط غير التقليدية. والرسالة الواضحة التي أرادت المنظمة إيصالها هي أنها لا تستطيع الاستمرار في تحمل عبء استقرار الأسواق وحدها، مع تزايد الكميات الضخمة من الإمدادات النفطية الباهظة التكاليف التي تستفيد وتزدهر عند ارتفاع الأسعار، لكنها لا تتحمل أي مسؤولية في التنسيق عند انهيار الأسعار. جربنا الجولة الأولى من هذه المنازلة، ويتوقع أن نشاهد منازلات أخرى، إذ إن تكاليف هذه الصناعات الحديثة تنخفض تدريجاً، كما أن تقنياتها تتحسن ما يخفض التكاليف. وهناك تحديات أخرى تواجه آفاق الطاقة المستقبلية عموماً. فهناك أولاً مستقبل التغير المناخي، والقوانين والمعاهدات الدولية في هذا الشأن. وهناك ثانياً ضرورة استمرار تأمين مستقبل أمن إمدادات الطاقة، في ظل التوترات والنزاعات الدولية التي تشتد حدة، خصوصاً في مناطق الإنتاج الرئيسة، حيث أصبحت المصانع والمنشآت النفطية هدفاً للإرهابيين (مثلاً، تدمير مصفاة بيجي، كبرى مصافي التكرير العراقية وأحدثها). وهناك ثالثاً مدى وسرعة النجاح الذي سيتحقق في مجال البحوث والابتكارات، خصوصاً في مجال طاقتي الشمس والرياح، وربما الأهم للصناعة النفطية، هو مدى إمكانية إنتاج سيارات كهربائية، صديقة للمستهلك وبأسعار تجارية تنافسية. * كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة