ليست هي المرة الأولى التي تشتبك فيها هيئة مكافحة الفساد علنا مع جهة حكومية، فقد سبق اشتباكها مع أمانة منطقة نجران والمجلس البلدي فيها، اشتباكات أخرى كشفت عن أمرين في غاية الأهمية، يتمثل الأمر الأول في ما باتت تشكله هيئة مكافحة الفساد من رعب لدى كثير من الجهات، خشية أن تكشف تحقيقاتها ومتابعاتها عن فساد ظاهر أو باطن في مشاريع تلك الجهات، سواء كان المسؤولون على علم به أو كانوا غافلين عنه، كما يتمثل الأمر الآخر في تطلع بعض الجهات إلى أداء أكثر فاعلية ومتابعة أكثر جدية من قبل هيئة مكافحة الفساد من أجل إنقاذ المشاريع من أطماع الطامعين وأهواء الفاسدين، وإذا كانت خشية الجهات الأولى تعود إلى تخوفهم كشف فساد محتمل أو مؤكد في المشاريع التي تقوم بها، فإن تطلعات الجهات الثانية إنما يعود إلى ما يشعر به القائمون عليها من فساد يمس مشاريع جهات أخرى، ويشعرون في الوقت نفسه أن أداء هيئة مكافحة الفساد غير قادر على اجتثاثه. وإذا لم يكن بإمكاننا أن ننكر قيمة تلك الاشتباكات العلنية، تلك القيمة المتمثلة في تكريس الشفافية ومنح المواطن حقه في معرفة ما يتصل ويمكن أن يؤثر في المشاريع التي تنهض بها الدولة لتحقيق مصالحه، وكذلك قيمة تلك الاشتباكات في كشف حجاب الحصانة الذي كانت بعض الجهات تتوهم أنها تتمتع به، فلا يجرؤ أحد على نقدها أو التعريض بما يعتري مشاريعها من فساد، إذا لم يكن بإمكاننا أن ننكر ذلك كله فإن من حقنا أن نتصور أن تلك الاشتباكات العلنية ينبغي لها أن تفضي إلى أحد أمرين، أولهما وضع أعمال ومشاريع تلك الجهات المتضجرة من عمل هيئة مكافحة الفساد تحت المجهر، انطلاقا من المثل القائل (كاد المريب أن يقول خذوني)، وثانيهما التعاون مع تلك الجهات، فلعل لديها حول مشاريع الجهات التي حولها ما تود لو أن هيئة مكافحة الفساد قد وقفت عليه وكشفت عن فساده. عكاظ