×
محافظة المنطقة الشرقية

«صنع في مكة» يوفر 5 آلاف وظيفة للشباب والفتيات

صورة الخبر

لست من محبّي السياسة يومًا ولن أكون .. ولم أكن يومًا من دعاة الحروب أو عشّاقها .. ولست من قرّاء الصحف أو حتى تصفّحها .. وما عدت استمع أو أشاهد نشرات الأخبار أو المحطات الإخباريّة .. فكل ما يُنشر أو يُذاع .. أو يُعرض .. إنما هو غمّ في غمّ .. لذلك أقفلت قلبي وعيني وأذني وبصري عن كل تلك الأمور والأحداث المعوّقة لمسيرتي الحياتيّة .. ورغم ذلك تتسلل أشعة وامضة من كل الأحداث والمآسي عبر فتحات التهوية والإنارة في نوافذي الخاصّة .. لتصل إلي وإلى مشاعري المُثقلة بالأسى والأنين .. لتصبّ في أعماقي .. ولتملأها حسرة وألمًا .. خاصة أننا هنا بعيدًا عن كل الأحداث المأساويّة التي تحدث لأطفال الآخرين في المناطق المنكوبة .. نرى .. ونسمع .. وتحملنا الأنات المفجوعة من مساكننا وأمننا وسكينتنا .. لنزداد حسرة وألمًا .. دون أن نتمكن من إماطة ذلك الظلم الكبير الذي يفتت أكباد الصغار والكبار .. ويقضي على كل أفراحهم وطموحاتهم .. وليست تلك هي المشكلة الرئيسية معنا .. بل المشكلة حين يطرح أحد الصغار سؤالاً عما يراه في أخبار التلفاز .. ما الذي يجب أن نخبره به ..؟ هل يتحتّم علينا أن نشرح له القضية كلها بكل أبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة .. ؟ أم علينا أن نلطف له من الأجواء المشحونة بالغدر والتعذيب والإبادة .. لنقدّمها له على أطباق مزيّنة بالورد والحلوى الملوّنة ؟. أطفالنا هنا .. هم غير أولئك الأطفال الذين نراهم في نشرات الأخبار .. ليسوا هم من يحملون المعاول ويقومون بالحفر والطرق .. وحمل الأحجار الكبيرة .. التي تكون أكبر من أحجام أجسادهم .. وليسوا هم من يقومون بالتسوّل من المارّة .. والعربات السائرة في الطريق .. وليسوا هم من يحاولون كسب لقمة عيشهم بأياديهم الصغيرة التي خطف العمل الكادح بريقها .. وحوّلها إلى طبقات خشنة من الجلد القاسي المتقرّح والمليء بالندب والجراح . ربما يتحرّك صوت من حولنا الآن .. ليقول لنا .. أين هؤلاء الأطفال .. ؟؟ إنهم غير حقيقيين .. بل هم حقيقيون .. وواقعيون .. وموجودون فوق أراضي أمتنا العربية الكبيرة الممتدة من الخليج وحتى المحيط .. أطفال يجوعون حتى الموت .. أطفال لا يعرفون المدارس ولا التعليم ولا العرف .. ولا التقاليد .. ولا الحب .. ولا الاحتضان .. أطفال تمّ نفيهم من خريطة الطفولة .. والبراءة .. ليُلقى بهم فوق قارعة الجوع والجهل والمرض .. والاغتصاب .. الشوارع هي مأواهم وبيوتهم .. هي التي تحتضنهم .. وهي التي تحميهم .... ونحن هنا .. نتساءل ونتناقش .. وندير المنتديات والمؤتمرات الدوليّة حول حقوق الطفل .. وحول المناهج المدرسيّة المطوّرة .. وحول دور الأزياء العالميّة .. والمهرجانات الغنائيّة .. والتحصينات التي يحتاجها أطفالنا .. والأدوية المجانية التي نلقي بها في حاويات الإهمال .. دون أن نعي أن أطفالنا في ألف نعمة ونعمة .. يكفي أنهم يملكون أسقفًا تؤويهم .. وفرشًا يضعون عليها أجسادهم بأمان .. وهم يعرفون أن بلادهم تحميهم .. وتصون حقوقهم .. وتمنع كل من يحاول استغلال طفولتهم وبراءتهم . إنهم أطفال الشوارع .. أولئك الذين لا نعرفهم .. ولا نعرف عنهم أي شيء .. إلا من خلال نشرات الأخبار .. وعيون العدسات المصوّرة .. فمتى نلقي إليهم بشباك النجاة والرحمة ..؟ومتى نخرجهم من دوّامات الجوع والموت التي تجتث طفولتهم ونضارتهم .. ومستقبلهم المفقود؟.