لم أنشغل يوما بالسياسة ربما لأنني رأيتها دائما فن إدارة الواقع حين تكون مهام الشاعر فن إدارة الخيال ولأنني عايشت الخيال منذ ربع قرنٍ تقريبا فلا أنوي العقوق به أو حتى الثورة عليه حتى لو توهّمتُ كالملايين من الشعوب العربية بالربيع العربي بعده.. فذلك الربيع المنشود وبعد أعوامٍ من انتظاره لم يكن بالنسبة لي كشاعر إلا ربيعا بلا أشجارٍ ولا فراشات ولا عصافير حتى غيومه ليست إلا عوادم الخيبات المتتابعة التي ستمطر ثوراتٍ أخر لاتنتهي، تنهار فيه البلدان اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وربما جغرافيّا.. *** في مصر تابعت كغيري ثورتها الثانية كما سيفترضها التاريخ الذي يكتبه المنتصرون دائما في تاريخنا، وكان أكثر ما يعنيني كشاعرٍ فيها المنسق العام لحركة (تمرّد) التي قامت من خلالها الثورة كما سيفترض التاريخ أيضا هو ذاته محمود بدر المراسل القديم لقناة العالم تلك التي جاهدت كي تقوم بدور مؤثر كغيرها من القنوات في التظاهرات التي سادت دولة البحرين الشقيقة قبل مايقارب العامين.. نعم هو ذاته الذي كان يثير الطائفية ويسعى لإشعال الفتيل بين الطوائف البحرينية.. وتساءلتُ حينها هل ستخلق هذه الثورة الجديدة بمنسقها العام أو المراسل القديم ربيعا آخر غير الذي تجلّت لنا سوأته؟! مالي وهذا السؤال السياسي بعد أن اتفقنا على الشعر فيه؟! *** في تونس تتخلّق الآن حركة متمرّدة أخرى على غرار تلك الحركة المصرية.. لكننا لانعرف بعد من سيكون منسقّها العام وأين كان قبلها..؟! عن سوريا.. لاشيء فيها أوجع من أن تتفرق دماء أهلها بين خرائط الدول ثم نستيقظ على الموت فيها يسبق الولادة.. وعلى التكفير يسبق الشهادة.. وفي كلٍّ أرض محروقة لايقيم فيها إلا الراغبون في الموت أو المسجونون له أو حتى أولئك البسطاء الفقراء الذين فرضت عليهم الحياة الإقامة فيه...! وماذا بعد أيها الربيع.. في ليبيا.. في اليمن.. في آخر السنة أين أنتَ ولم يبلغ أحدٌ الرضا.. ولا نلنا منك إلا ترديد أوجاعنا أو تكرارها على هيئة دراما بذيئة تغص بها قنواتنا في رمضان.. أين أنت أيها الربيع.. أين أنت وأسماؤنا خطيئة، وأفكارنا مرتبكة، وعقائدنا مشبوهة، وخرائطنا مشتّتة، وقنواتنا موجّهة، وأخبارنا مغلوطة، وتاريخنا لم نعرف بعد من سيكتبه لنا آخر الحقيقة..؟!