من ضاحية جينزا بوسط طوكيو اليابانية سأكتب لكم اليوم صورة مدهشة لولاء الإنسان، ومن بعده الأجيال مع مشاهد ومظاهر التنمية. كانت جينزا رمزا للإمبراطور وللإمبراطورية اليابانية، قبل أن تتحول مع القرون الطويلة إلى منطقة شعبية بائسة فقيرة. وقبل ثلاثة عقود من الزمن، قررت حكومة اليابان أن تحول جينزا إلى رمز ياباني لحداثة العصر الحالي وتقنيته وتقدمه. وفي مبنى جينزا التاريخي شاهدت ما يلي: آلاف بصمات الأصابع والكفوف واليدين المنتشرة على كل متر من المبنى التاريخي لآلاف العمال الذين وضعوا دماءهم وعروقهم وعرقهم على كل جنبات المباني والشوارع حين استحالت أو تحولت جينزا إلى لوحة تقنية وهندسية تقود إلى العصر الجديد القادم. شاهدت يوم زيارتي إلى مبنى جينزا التاريخي عشرات الأطفال اليابانيين، الذين يقفون بكل كبرياء أمام ملامح وآثار ما تركه الآباء والأجداد في الكفوف والأصابع والأقدام التي تركها عظماء البناة لهذا الموقع التاريخي على الأسمنت الرخو، ذات زمن قبل أن يتحول لصلب جامد، يشعل رسالته إلى الأجيال القادمة: إن لم يكن في المشروع دم أبيك النازي أو عرق جدك الغزير، فلا يمكن لك أن تحترم مشروعا من نفق أو مدرسة أو جامعة. وما دمنا غرباء عن كل هذه الأفكار والمشاريع، ولا نعرف عنها شيئا إلا بعد قص شريط الافتتاح، فلا يمكن لنا أن نحترمها، وإن لم تكن شواهد التنمية وأفكارها ومشاريعها من عرق وعروق الآباء والأجداد فلن نشعر لها بالولاء ولا بالانتماء. لماذا غضبنا وغضب كل المخلصين من كل مكان في مدينتي على هدم دوار القصبة التاريخي مهما كانت المبررات؟ السبب لأن والدنا هادي بن يعن الله ونفرا من جماعته السعوديين الخلص، هم من بنوا وسرحوا من الفجر إلى المغرب، فكان لنا ولاء خالص لدمائهم وعروقهم وعرقهم، يفوق أضعاف ما لدى سكان هذه المدينة من ولاء وانتماء لبقية المشاريع المليارية على أطراف هذه المدينة. وحين هدمت القصبة في ظرف ساعتين، فإن المهدوم الحقيقي هو والدنا هادي بن يعن الله، بكل دمه وعرقه الذي يربطنا وحده ببناء هذه التنمية. الوطن