واصلت الصحف العربية، الصادرة الأسبوع الماضي، جل اهتماماتها بالحديث عن القضية السورية وتداعياتها الخطير ة التي لا يحمد عقابها أحد. فمن جهتها قالت بعض الصحف إن المجتمع الدولي لديه رغبة في التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، بعد القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يدعم الاتفاق الروسي ـ التركي الذي يفرض وقفاً لإطلاق النار في هذا البلد المنكوب. كما أشارت بعض الصحف إلى الموقف الإيراني الواضح والصريح، مؤكدة أنها تخشى التوصل إلى توقف العمليات العسكرية في سوريا قبل أن تؤمن عزل دمشق عن محيطها السنِّي، وهذا يفسر إلى حد كبير تلك الاستماتة الإيرانية من أجل تهجير أهالي وادي بردي، الذين يشكلون آخر تجمع سني كبير في محيط دمشق من جهة وعلى طول الحدود اللبنانية ـ السورية من جهة أخرى. كما قالت بعض الصحف إنه لم يكن في استطاعة النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تدعمه العودة إلى حلب والانتقام من أهلها، لولا تركيا وروسيا، وتابعت أنه تبدو روسيا أكثر من ممتنة لتركيا على الدعم الذي قدمته لها، الذي سمح بتهجير قسم لا بأس به من أهل حلب، فمن دون تركيا ما كان للحملة الجوية الروسية أن تنجح في حلب، ولأوقفت تركيا شريان الحياة الذي كان يسمح بتزويد المقاتلين في شرق حلب بكل ما يحتاجون إليه. هذا وقد ألقت بعض الصحف العربية الضوء على العام المنصرم، وما مثله من مأساة على الأمة العربية. ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي، في إحدى افتتاحياتها، إنه مع نهاية هذه السنة سيُسكَب حبر كثير على تحليل أسباب الكوارث التي حلّت بسكان هذه المنطقة المنكوبة من عرب وقوميّات أخرى، وسيذهب الكتاب في ذلك مذاهب كثيرة، كل حسب موقعه من خرائط السياسة والجغرافيا والمصالح. وأضافت أنه سيحاول بعض الكتاب والإعلاميين والسياسيين والمعلقين التعبير عن مواقفهم من آلام البشر، لكن البعض الآخر لن يرى من كل هذا البحر المتلاطم من الدماء والمآسي غير ما تراه عيون الأنظمة أو الأيديولوجيا أو الحزب أو الطائفة، محتفلا بانتصارات فحسب تضيع معها الأرقام المخيفة للقتلى والجرحى والمعاقين، ووقائع الأطفال اليتامى الضائعين بين القارات، وحكايات العائلات الممزقة، الشرف المهان والكرامات المذلولة واستغلال الفتيات وقهر الرجال. وتابعت القدس: «في فلسطين شاهدنا تلخيصاً للمأساة العربية مع استمرار العنجهية والاستيطان والقمع والأسر، وابتهاجاً إسرائيلياً بالخراب العربي العام، كما نرى التأثير العربي والإقليمي من خلال تنسيق سلطات مصر مع إسرائيل على حصار غزة، ومحاولة إقليمية عربية لاختراق المؤسسات الفلسطينية، وبعض ظواهر انتشار تنظيم الدولة، وحتى هنا ستحضر إيران من خلال ميليشيات «الصابرون» الصغيرة في غزة، لكننا سنرى أيضاً انتفاضة فلسطينية مستمرة ودعماً دولياً يكسر القاعدة في اليونسكو ومجلس الأمن ويدين إسرائيل». وتابعت: «يمكننا بعد ذلك أن نقوم بمسح استطلاعي لجبل القهر العربي، بدءاً من اليمن غير السعيد، حيث ما تزال قوات الرئيس السابق علي صالح، وحلفائه الحوثيين، وسندهم الإقليمي إيران، يحتلون صنعاء ويحاصرون تعز ويفرضون تحالفا بين الاستبداد الوطني المتراكم والإرث الإمامي الذي أسس صالح، وأسلافه، شرعيتهم بالانقلاب عليه، لمقاومة ثورة ظن الكثيرون أنها وصلت إلى منتهاها». وأضافت: «نتابع في العراق فصول المأساة المستمرة منذ احتلال أمريكي فتح الباب لموجة الاستقواء الإيراني على بلدان المنطقة، وأسس نظاماً للغلبة الطائفية والفساد المهول، فشلت محاولات الاحتجاج والاعتصام السلمية والمدنية في تغييره، فانضافت عوامل الطائفية والظلم والإحباط إلى رصيد حرب بشعة بين تنظيم الدولة، الذي حوَّل مظالم السُّنة إلى تيار نكوصي متطرف، والميليشيات الشيعية المدعومة من التحالف الإيراني ـ الأمريكي نفسه، في دائرة قهر لا تزال تتكرر وتتوسع في المنطقة، لا في العراق وحده». وتابعت: «سنشهد في سوريا رئيسا يعلن «الانتصار» على شعبه، مستعينا بالأجنبي الإيراني وميليشياته العراقية واللبنانية في ختام سوريالي لأسطورة البعث السوري، رافع راية القومية العربية، فيما تستكمل روسيا المشهد المخزي باستعمار عسكري جديد لبلد كان قد نال استقلاله قبل أكثر من سبعين عاما». إن انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان أعطى إشارة جديدة لميل التوازنات الإقليمية لصالح إيران، لكنه بدأ توازنات محلية جديدة لا تستطيع تجاهل المحيط العربي والعالمي. وتابعت: «في السودان نشهد نظاماً أشرف على تقسيم بلاده واستنزف خيراتها، والتزم بالشروط الاقتصادية العالمية القاسية، وما زال يشتري الوقت ضد غضب شعبه بالقمع والتهديد، كما تشهد موريتانيا وضعا مشابها في شد وتراخٍ بين السلطات والمعارضة». وأضافت: «ويكشف الوضع في الجزائر تماثلاً رمزيا، بين حال البلاد ووضع رئيسها الصحي، حيث تصلَّبت شرايين النظام وصار يمشي على كرسي متحرك، تديره أيد خفية وتسير به إلى سوق سوداء لتبادل المصالح والمنافع والامتيازات». واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: «إنه في الدول الأخرى، ورغم المصاعب الهائلة التي تعاني منها بلدان مثل تونس والأردن والمغرب، فقد شهدت استقرارا نسبيا بفضل إجراء نخبها تسويات تحد من التطرف وتفعِّل طرق الحوكمة، فيما قامت بلدان الخليج الغنية بتعديلات بطيئة ولكن متدرجة لمنظومتها التقليدية، تجعلها قادرة على التفاعل مع العالم ومتغيراته العاصفة، وتخفف ثرواتها من آثار النقمة الاجتماعية والسياسية». من جهتها قالت صحيفة الحياة اللندنية في إحدى افتتاحياتها، إن أكبر أمل لدى العربي في العام الجديد أن تكون فصول المجازر والقتل الوحشي التي حاصرت المنطقة في سوريا والعراق، طُوِيت ولو بالصفقات «المرة»، التي يعد بها القيصر فلاديمير بوتن، عازفاً على أوتار شريكه في البيت الأبيض دونالد ترمب. القيصر طامح إلى نظام عالمي يفصِّله مع رجل الأعمال الشعبوي على مقاس طموحاتهما و»جرأتهما» في اقتياد سفينة العالم إلى مرحلة ما بعد إذلال الروس». وأضافت: «لقد أذل الغرب الروس (أوكرانيا)، فانتقموا منه بقتل الآلاف من السوريين الأبرياء بذريعة الاقتصاص من «الإرهاب»، في حلب انتصر القيصر، ومعه النظام السوري وحلفاؤه، وحده الشعب السوري دفع الثمن. وأضافت: «أمراء دويلات متناحرة ربما - وهذا بعض مما يفسر «عقلانية» التريث والامتناع عن تصديق «بطولات» السلام الروسية - يرون أن مآسي السوريين تكمل ما يشهده العراق من تفتت على أيدي «الحشود» العابرة للحدود، مجزرة هنا وإبادة هناك، لا تبديل في المسرح، سيظهر قاسم سليماني كلما بات الميدان جاهزاً لـ»انتصار» إيراني آخر، على حساب دماء العرب». وأضافت أنه أي «حزام» بري يريده «الحشد الشعبي» إذا اندفع إلى الحدود السورية؟ «الحزام الشيعي» بعد «الهلال الشيعي»؟ أي موصل بعد اقتلاع تنظيم الدولة؟ وأي دولة ستبنى في العراق بدماء ضحايا الإرهاب الجوَّال. مصير سوريا والعراق بين أيدي القيصر و»بطل» الصفقات، مصير نظام الرئيس بشار الأسد هاجس الإيراني، وليس عقدة لدى الكرملين إذا حانت ساعة التسوية «النهائية»، لذلك سنرى «توترات» كثيرة في استعادة النظام حضوراً يريده لمقاومة دفعه الثمن الأخير. وأضافت أن ضجيج القيصر وترسانته من قاعدة حميميم إلى البوسفور والبحر الأسود، فلنصغِ إلى «شريكه» ترمب الذي يحض الحليف الإسرائيلي على عدم الرضوخ لطعنة أوباما (رفض الاستيطان)، رغم كل ما فعله الأخير لتسليح إسرائيل وضمان «أمنها» ربما لخمسين سنة مقبلة. وتابعت الصحيفة أن القيصر يريد تسوية في سوريا على حساب السوريين، إذ شطب كل تضحياتهم وما تكبدوه دفاعاً عن الثورة وللخلاص من الاستبداد. ترمب الصاخب، أولوياته أن يعيد تحصين إسرائيل في مواجهة العزلة والأمم المتحدة، وربما ليحوِّل الأنظار عن تراجعه وطي تهديده بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، ما إن يتسلم سلطاته على رأس أكبر قوة في العالم. وأضافت: «يحصن الكرملين تسوية بنظام كسيح في سوريا، سيحتاج إذا صمد الحل الروسي، إلى وصاية و»حماية» شبه دائمة، يحصن السيد الجديد في البيت الأبيض الآتي من عالم المال والصفقات السرية، الحليف الإسرائيلي، فيما موسكو ترعى طهران بترسانة عسكرية ومحطات نووية، ومظلة حماية من الخليج إلى المتوسط». وتابعت أنه عالم العرب في العام 2017، مسارح حلول وتسويات بعضها أهدافها مشبوهة، وبعضها للاختبار. وأضافت أنه ما دامت مظلة الحماية روسية، ما الذي سيقنع إيران بالكف عن التلاعب بمصير اليمن، وعن مد أصابعها إلى باب المندب؟ واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها إن عالم العرب عام 2017 قد يكون أكثر خطورة من عام المجازر والدمار وطوفان النازحين والمهجرين، وشعوب تحولت لاجئة في مخيمات، وميليشيات تكتب فصلاً آخر من محو الخرائط، وتفتيت الكيانات.;