في أواخر السبعينيات ارتفعت أسعار النفط وبدأت الأنظمة الاقتصادية الغربية تتداعى. لكن بالنسبة إلى إمبراطورة إيران، كان الوقت مناسباً لاقتناص الفرص! فذهبت لشراء تحف فنية ثم أسست في عام 1977 متحف طهران للفنون المعاصرة. هل سيزور المعرض برلين وروما؟ «إيكونوميست» بحثت عن إجابة. تملك جمهورية إيران الإسلامية في متحف طهران للفنون المعاصرة مخزوناً من مظاهر العصرنة الغربية اليوم، علماً بأنه يشمل أفضل مجموعة فنية خارج أوروبا وشمال إفريقيا في نظر كثيرين. تُعتبر تحفة بابلو بيكاسو «الرسام وعارضته» (1927) أهم عمل في هذا المجال ويعتبرها أحد الأكاديميين حلقة مفقودة بين لوحتين عظيمتين: «آنسات أفينيون» (1907) و«غرنيكا» (1937). تشمل المجموعة أيضاً لوحة جاكسون بولوك، «جدارية على أرضية هندية حمراء» (1950)، فضلاً عن أعمال لمارك روثكو وفرانسيس بايكون وأندي وارهول والفنانَين الإيرانيين محسن وزيري مقدم وفرامرز بيلارام. وُضِعت المجموعة في خزائن متحف طهران للفنون المعاصرة في بداية الثورة الإيرانية في عام 1979 وبقيت خفيّة إلى أن ظهرت أولى مؤشرات الانفتاح بعد الثورة، في عام 1999، فجددت ببطء رغبة المتحف في عرض فنونه الغربية. عند انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في عام 2013، بدأ أمناء متحف طهران للفنون المعاصرة يناقشون احتمال القيام بجولة خارجية وكانت هذه الخطوة تهدف جزئياً إلى جمع الأموال التي يحتاجون إليها. تجاوبت المتاحف الأوروبية والأميركية بكل حماسة مع الاقتراح نظراً إلى أهمية عرض تحف فنية لم يشاهدها الغرب منذ أربعة عقود. في هذا المجال، عبّر متحف «هيرشهورن» في العاصمة واشنطن عن حماسته لكنه عاد وانسحب في النهاية. كان متحف «ستادل» في فرانكفورت أحد أوائل المرشحين أيضاً علماً بأنه اقترح في عام 2014 تقديم عرض في ألمانيا وفي بلدين آخرين. لكن أصرّ المدير ماكس هولين الذي يدير اليوم متاحف الفنون الجميلة في سان فرانسيسكو على طلب سعر 1.04 مليون دولار عن كل موقع. في تلك الفترة، كان يواكيم جاغر من «المعرض الوطني في برلين» موجوداً في طهران لتنظيم معرض لأعمال أوتو بياني، فنان حركي ألماني مات منذ فترة قصيرة. أحبّ جاغر ما شاهده على جدران متحف طهران للفنون المعاصرة، بحديقته المنحوتة وسراديبه. فخطر على باله أن ينظم معرضاً لصالح «مؤسسة التراث الثقافي البروسي» التي تشرف على متحفه وطلب المساعدة في المقابل من وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير. انضمّ الإيطاليون بعد فترة إلى الألمان. كان متحف مختصّ بفنون القرن الواحد والعشرين ومعروف باسم «ماكسي» في روما تعاون مع متحف طهران للفنون المعاصرة لتنظيم معرض للفنون الإيرانية في إيطاليا في عام 2014. حين بدأ الاتفاق النووي بين إيران والغرب يتبلور، زار وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني طهران، ثم طرح فكرة تنظيم المعرض على جيوفانا ميلاندري، رئيسة مؤسسة «ماكسي». لما كانت إيران تهتم بإقامة المعرض في مواقع عدة لأسباب مالية ورمزية في آن، فسارعت ألمانيا وإيطاليا إلى قبول العرض. تعهدت الحكومة الألمانية بتقديم 2.8 مليون يورو كي تكون أول بلد يعرض أعمال إيران الفنية. وعرضت إيطاليا من جهتها مليون ونصف يورو. كان يفترض أن يصل 30 عملاً غربياً و31 عملاً إيرانياً، بما فيها أعمال بيكاسو وبولوك، إلى برلين كي تبقى هناك طوال ثلاثة أشهر بدءاً من ديسمبر 2016. أما روما، فستتمكن من تنظيم المعرض طوال خمسة أشهر بدءاً من أواخر شهر مارس. مشاكل أعلنت ميلاندري عن المعرض في بداية شهر أكتوبر واعتبرته «دليلاً ملموساً على العلاقات الدبلوماسية والثقافية الجديدة والبناءة». لكن يثبت التاريخ أن الدبلوماسية المرتبطة بتنظيم المعارض قد تحمل المجازفات. في عام 2012، كاد معرض عن الحج في المتحف البريطاني يُلغى بعدما رفضت الحكومة التركية في اللحظة الأخيرة السماح بتقديم الذخائر من قصر «توب كابي» في اسطنبول، ما أجبر المتحف البريطاني على البحث عن حلول أخرى لسد الثغرات. بالنسبة إلى المسؤولين والأمناء في برلين وروما بدأت المشاكل في شهر مايو، حين سلّم مدير متحف طهران للفنون المعاصرة، ماجد مولانوروزي، جوائز إلى الفائزين في مسابقة نظمتها منظمتان ثقافيتان مدعومتان رسمياً في طهران وتتمحور حول رسوم متحركة عن محرقة اليهود. رفعت الحكومة الإسرائيلية شكاوى بسبب تلك المسابقة. لكن يقول الدبلوماسيون إن مشروع متحف طهران للفنون المعاصرة نجا حين وافقت الحكومة الإيرانية على تنحية مولانوروزي من دوره كشريك تفاوضي لرئيس الجولة تزامناً مع إبقائه في منصبه في المتحف. لكن منذ ذلك الحين، انقسمت آراء الحكومة الألمانية. تعتبر وزارة الخارجية برئاسة شتاينماير أن رد فعل إيران كان كافياً لإنقاذ المشروع الذي سيساهم في تعزيز تقارب محوري بين البلدين بحسب رأيه. أما دار المستشارية بقيادة أنجيلا ميركل، فأبعدت نفسها عن المشروع عبر مونيكا غروترز، مفوّضة الثقافة والإعلام، لأنها شعرت بأن إيران تجاوزت الخط الأحمر. قال المتحدث باسم غروترز: «تتولى وزارة الخارجية الإشراف على المعرض والتخطيط له». تتصدى دار المستشارية أيضاً لدعم وزارة الخارجية لقدوم روحاني إلى ألمانيا. في شهر أكتوبر، أُجبِر وزير الثقافة الإيراني علي جناتي الذي كان يدعم المعرض على التنحي من منصبه بسبب متشددين هاجموه بشأن موضوع آخر. في الوقت نفسه، حذرت أصوات مؤثرة في عالم الفن داخل إيران من وجود مطالبات قانونية ضد المجموعة الفنية وإمكان أن تصادرها جهات أخرى. تأججت مخاوف الإيرانيين بسبب مناورة قانونية ألمانية جعلت من مدينة برلين، وليس الحكومة الاتحادية، الجهة التي ستضمن عودة الأعمال الفنية بأمان. نتيجةً لذلك، تأجّل افتتاح المعرض. حُلّت الآن مسألة الضمانات ووافق وزير الثقافة الإيراني الجديد رضا صالحي أميري على إطلاق الجولة. لكن يقول الدبلوماسيون إن القرار الأخير يبقى في يد الرئيس روحاني. ستركز السياسة الداخلية الإيرانية في عام 2017 على الانتخابات الرئاسية في شهر مايو. لذا يبقى هامش الموافقة على المعرض المقرّر حتى الآن في أواخر يناير ضيقاً. إذا لم تظهر أي مؤشرات إيجابية من طهران، سيلغي المعرض الوطني الحدث، ما يؤدي إلى إلغائه في روما أيضاً. لا شك في أن الأمناء في برلين وروما يصلّون لحصول معجزة!