×
محافظة المنطقة الشرقية

الجيل يفرض التعادل على أحد المتصدر والنجوم يكسب العروبة

صورة الخبر

ماذا عن جدوى الكتابة أمام هذا العنف كله المحيق بنا؟ حقيقةً، ثمة عنف ما كامن وراء كل فعل كتابة، عنف مادي، رمزي، عقلي، شعوري، بصري، سمعي، لمسي، أخلاقي، وجداني، ذاتي، نكون موضوعه، وضحيته الآخرون. ثمة عنف بيِّن وآخر خبيث، لا يفضح خبثه سوى بالقول، الشفوي أو المكتوب... هذا العنف، بكل ضروبه، هو الذي يستفزّك ويحضّك على إفراغ ما يضجّ به عقلك ويجيش به وجدانك، وينوء به خيالك، لئلا ترتدّ عليك هذه الأفكار والمشاعر والخيالات والصور، وتعيث قلقاً وكدراً في ثنايا روحك، ومهاد دماغك. نحن نكتب لأجلنا أولاً من أجل «أنا» ترفض أن تتوارى وتنحسر وتنكفئ على ذاتها، فالكتابة بنفسها عملية ذاتية فردية، والكائن – الكاتب يحدس بذاتية عالية، ويجرؤ على إنتاج معنى ومخاطبة عقل، واستثارة وجدان، ولما كان كذلك فهو يصرخ ضدّ العبودية، عبوديته وعبودية الآخرين، والمرأة الكاتبة تشجّع سائر النساء على عدم التواري والانكفاء والسكوت، على الإعلان عن أنفسهنّ على الملأ، ومن ثم على التمرّد والمواجهة. أمّا أن تكتب تحت ربقة العنف، فإنّ ذلك يُعدّ، للوهلة الأولى، تخلّفاً عن الحدث، عن الحدث الذي يستقوي على الكلام، ويسخر من حق التفكير والشعور، والاستهجان، ويسقط بكلمات أخرى، ما عداه. إنّ نصيب المرأة من العنف في الحروب العربية لا يفوق نصيب الرجل، فالرجل يتعرض هو الآخر للتشريد والاعتقال والتنكيل واليتم، والترمل، والشهادة، أضعافًا مضاعفة، هي لا تنفرد في المظلومية، ولا يُنتظر استثناؤها من طاحونة العنف، والمبادرة إلى تمييزها تمييزاً إيجابيّاً لمصلحتها، وأن يحكم الطغاة عليها بالبراءة لمجرد أنّها امرأة!... أمّا ما تتعرض له المرأة من إيذاء مفجع على وجه الخصوص بصفتها أنثى آثمة مدى الدهر، وتستحق الترويض، والتدجين، والتطويع، والاقتصاص منها، بأوخم الأساليب، فهو واقع يفضح أزمة الرجل العربي المسلم، والمسلم غير العربي، على السواء. هذا الذكر المأزوم يدأب على التشفي، والانتقام من ذاك الكائن الأنثوي الغامض، الذي ما فتئ يبهره، بخروجه من القمقم النصي، وما فتئ يكذّب أسطورة النقصان والضعف، مقابل أسطورة التفوق الذكري الواهنة. هو يقتص منه، وكلما اقتص منه يقتص من نفسه ووهنه وخيبته. هو يحتاج إلى من يكتب ضدّه ولأجله، إلى من يحرّره من ذعره، ومن أسطورة تفوقه وقوامته، كي يجرؤ، ويتماسك، ويكفّ عن التنقيب عن «كبش محرقة» لا تزيده التضحية به الا تأزّماً وحرقة. إنّ الكتابة بلا كلل هي مشروع سرمدي، راهن ومستقبلي، يستغيث به النساء والرجال من أجل مزيد من الفهم والمعرفة والسيطرة على واقع لا يلبث أن يفلت من أيدينا، ومن أجل التخفيف من قلقنا الوجودي، الذي يتفاقم كلما ازداد قلق الآخرين وتحلّلت ذواتهم، وتذررت عنفاً. ذاك العنف الذي يحرّضك على استجماع قواك وملكاتك واسترجاع أسئلة قديمة، كدت تظنّها فائتة، منتهية الصلاحية، وإنّ ما اختُبر وقيل وكُتب وتمأسس، كافٍ لإبطالها. إنّه عود على بدء، لأنّ ذاكرة الجسد المريضة لا تشفى بمجرد التعاويذ، بكلام لا يُرفق بقرار كبح ولجم وقسر، وما وظيفة الكتابة سوى توثيق العنف ووصفه وتحليله وشجبه وتبيان فظاعته، كي لا يمسي سنّةً طبيعية. نعم أكتب، تكتب ونكتب من أجل لعن العنف وعدم تطويبه قدراً بشريّاً لا محيد عنه، سواء نال هذا العنف من النساء أم من الرجال.