واصل الجنيه الاسترليني ارتفاعه ليبلغ أعلى معدل له في مواجهة الدولار منذ شهرين، وقد ساهم تحسن مبيعات التجزئة في بريطانيا في تموز (يوليو) الماضي بمعدل أعلى من التوقعات في هذه الزيادة. وقد قفزت مبيعات التجزئة بنحو 1.1 في المائة وهي أعلى من التوقعات التي قدرته بـ 0.6 في المائة، وبذلك تصبح المبيعات في تموز (يوليو) الماضي في المملكة المتحدة الأعلى في هذا الشهر منذ عام 2006، كما شهدت الأيام الخمسة الماضية تحسنا متواصلا أيضا للاسترليني في مواجهة اليورو. ووفقا للبيانات الرسمية المعلنة فإن العملة البريطانية بلغت 1.5594 في مواجهة الدولار، وهذا أعلى سعر تبادل يتم تحقيقه بين العملتين منذ 19 يونيو الماضي، لكن الاسترليني تراجع في أعقاب ذلك ليصل إلى 1.5583 للدولار وليحقق بذلك زيادة تبلغ 0.5 في المائة كما حقق زيادة ملموسة أيضا في مواجهة اليورو بلغت 0.3 في المائة. ويقول سيمون هايز المحلل الاقتصادي في بورصة لندن لـ "الاقتصادية": إن التحسن الراهن في قيمة الاسترليني يعود لمجموعة من العوامل أبرزها تحسن أداء الاقتصاد البريطاني في مجمله، فمعدلات النمو المحققة على الرغم من عدم ارتفاعها بشكل كبير، إلا أنها أعلى من المعدلات المتوقعة، أضف إلى ذلك أن قرار محافظ بنك إنجلترا بتثبيت سعر الفائدة وربطه بخفض معدلات البطالة شجع مناخ الاستثمار، وزاد من الطلب على الاسترليني، ويضيف أن العملة البريطانية قفزت بنسبة 3.9 في المائة في الأشهر الستة الأخيرة، ووفقا لعدد من المؤشرات الاقتصادية فهذا أفضل أداء في البلدان العشرة الأعلى تطورا اقتصاديا، فالدولار ارتفع بنحو 3.4 في المائة واليورو زاد بنحو 2.8 في المائة فقط، وهذا يعني ثقة المستثمر الأجنبي والمحلي في العملة البريطانية. وكان انخفاض قيمة أذونات الحكومية البريطانية قد عكس تراجع اهتمام المدخرين بالاستثمار في قطاعات تضمن تحقيق عوائد ثابتة، واستعدادا أكبر من قبل المستثمرين للاستثمار في قطاعات تتضمن مخاطر استثمارية أكبر لكنها تحقق أيضا عوائد مالية أعلى، وهو ما أوجد طلبا محليا متزايدا على العملة البريطانية. إلا أن ارتفاع قيمة الاسترليني في مواجهة العملات الأجنبية يحمل في طياته عددا من المخاوف تجملها الدكتورة جين استيورت أستاذة مادة النقود والبنوك في جامعة لندن لـ "الاقتصادية" في ارتفاع قيمة الاسترليني، ما سيؤدي إلى انخفاض الصادرات البريطانية نظراً لارتفاع أسعارها مقارنة بمنتجات البلدان الأخرى، وهذا سيؤدي إلى تدهور الميزان التجاري، بل الأخطر أن مواصلة ارتفاع قيمة العملة البريطانية قد تدفع ببعض رؤوس الأموال إلى الانسحاب من الأسواق البريطانية، والاستثمار في بلدان أخرى عملتها أقل قيمة، ولهذا يجب أن يعمل بنك إنجلترا على الحفاظ على توازن قيمة الاسترليني بحيث لا يؤدي ارتفاعه المستمر إلى تراجع الاقتصاد، أو أن يؤدي إلى مضاربات سريعة عليه في البورصة لتحقيق مكاسب سريعة، ويمكن أن يؤدي هذا إلى انفجار حرب عملات بين الاسترليني واليورو والدولار والين. وقد انعكس ارتفاع قيمة الاسترليني أيضاً على قيمة السندات الحكومية، فالسندات البريطانية ذات العائد الثابت في عشر سنوات ارتفعت بنحو أربع نقاط أي ما يوازي 2.68 في المائة من قيمتها الأصلية وهي أعلى زيادة منذ أواخر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011، وقد نجحت الحكومة البريطانية في بيع ما قيمته 3.5 مليار دولار تحقق عائدا للمستثمرين فيها يقدر بـ 4.5 في المائة بحلول عام 2034. ويعتقد مارتين أيسر رئيس قسم التحليل المالي في مجموعة استثمارية أن الاسترليني سيواصل ارتفاعه في الفترة المقبلة، ولربما بمعدلات أسرع، ويضيف أن المؤشرات الراهنة في سوق العقارات البريطانية تكشف عن تحسن نسبي ملحوظ، وعلى الرغم من أن الأسواق العقارية لم تتعافَ بعد بشكل كامل، أو تعود إلى المستويات المرتفعة التي حققتها عام 2008، إلا أن تثبيت سعر الفائدة ومشاريع التحفيز الحكومية لتملك الوحدات السكانية سيساعد على زيادة الطلب على الاسترليني، وإذا أخذنا في الاعتبار إقبال الأجانب على شراء عقارات في بريطانيا وتحديدا لندن، فإن الطلب الدولي سيرتفع أيضا على الاسترليني، ويشير إلى أنه علينا أن نتذكر أن التحسن الحاصل خلال الأيام الماضية أتى في أعقاب تصريحات محافظ بنك إنجلترا بالتعهد بعدم تغيير سعر الفائدة وهو 0.5 في المائة حتى ينخفض معدل البطالة، ولا تزال الأسواق المالية والمستثمرون يستكشفون الوضع، وعندما تزداد ثقة الأسواق بتصريحات محافظ بنك إنجلترا سيتحسن الوضع بشكل أكبر وأسرع.