حركة داعش فيما أعتقد أنها كانت حدثا طارئا عند نشأتها في سوريا، ولم يكن مُخططا له. وقد وجد فيه العقل الغربي الحديث فرصة يمكن استغلالها وتوظيفها لتحقيق هدف إستراتيجي عظيم يُعتبر هو الشاغل العالمي اليوم، بجانب تحقيق عدد من الأهداف السياسية الأخرى الدولية والمحلية. ولهذا غض الطرف عنها وساعد على توسعها، وفي إمكانه سحقها بالضربات الجوية. فالفكر الاستراتيجي العالمي اليوم يحمل هم خطر التزايد السريع في اتساع هُوة التباعد التعايشي الإنساني بين الغرب والإسلام. وقد ساعدت التكنولوجيا والكثافة السكانية في المدن على رفع احتمالية انفجار هذا الوضع ومن ثم يتحول هذا الهم المخيف الى حقيقة. فتلويث مياه الشرب بمادة كيميائية جديدة أو تسميم أنفاق القطارات ونحو ذلك في مدينة مكتظة، قد يُسبب مقتلة عظيمة، تتهاوى معها كل مثاليات التعايش الديني التي بناها الغرب في مجتمعاته. وتضطر الحكومات الغربية للانتقام والضرب بقوة رضوخا لانفجار الغضب الشعبي المشحون اليوم على المسلمين والمكتوم بالقوانين الصارمة والأعراف الاجتماعية والتعليمية السائدة. وقد عانى الغرب من الحروب العالمية وشاهد من الفظائع الإقليمية ما كان سببه أو شعاره أيدلوجية دينية أو عرقية. والأيدلوجيات، دينية كانت أو عرقية، تُعمي الأبصار وتعطل العقول، وتُبرر الخيانة العظمى وتُشرعها عند أعظم الوطنيين وأقرب الأقرباء، وتسهل وصول المعتوهين والدمويين لسدة الحكم في بلادهم، كهتلر ومسولوني والخميني. ولهذا حرص حُكماء دول العالم الحديث على نزع النزعات العرقية والكراهية الدينية، وجَرمت مرتكبيها وأي داعية إليها بل ومنعت حتى الرأي الشخصي أحيانا في حالات وجود بعض الميل إليها بين المجتمع، كألمانيا بلد الحرية المطلقة مثلا. فإداء التحية النازية في ألمانيا في مكان عام او خاص او إنترنت يُلقي بصاحبها في غياهب السجون. ودعوى داعش الدينية بسلفيتها الظاهرية في تطبيق النصوص في سوريا ودعواها اليوم في الخلافة وإقامة الحدود وإحياء ما اندثر من الأحكام الشرعية كالرق وقتال من يليهم من الكفار ونحو ذلك يعتبر من أحكام الوسائل الشرعية لا أحكام الغايات الشرعية، قد ألقى بشُبهتين مُتضادتين قسمت المجتمعات الاسلامية، ظاهرا أو باطنا إلى قسمين تبعا لهما. فإما مُتعاطف معها أو مُشكك في تعاليم الشريعة. وأي من النتيجتين يتحقق، فسيساعد من المنظور الغربي على تحقيق إزاحة الهم العالمي المشترك بشأن خطر إنفجار الوضع بين الغرب والإسلام، كما أن أي من النتيجتين كفيل بالقضاء على داعش. فإن كانت الأولى، فسحق داعش على يد الغرب ليس بالأمر الصعب عليهم سياسيا بتعاظم أمرها بانضمام المتعاطفين معها. فتزايد المتعاطفين هو الضوء الأخضر من الشعوب الغربية إلى حكوماتها للضرب بقوة دون تفريق، وتغيير ثقافة المجتمعات الإسلامية بالإخضاع بالقهر والجبر، وما هيروشيما وناجازاكي وثقافة اليابان اليوم عنا ببعيد. وإن كانت الاحتمالية الثانية هي الأقرب والأنجع والأنجح لديهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي بإبعاد خطر تزايد الهُوة بين الغرب والإسلام. فأعمال داعش في القتل والسبي والنهب تحت دعوى إتباع النصوص الثابتة في القرآن والسنة وإحياء تاريخ الجهاد الإسلامي الذي يفخر به المسلمون كُلهم ويعيشون عليه، سيشكك الناس في دينهم وشريعتهم ويدفعهم لنبذها كما نبذت النصارى دينها. ونحن المسلمون الخاسرون في أي حالة من الحالتين إلا إذا استبقنا خُطط الغرب ومرادهم في الإبقاء على داعش إن كان ثَمَ من خطط، أو صححنا بأثر رجعي حاضرنا ومستقبلنا، فاستخدمنا هذه الأحداث وسخرناها في إحياء تعاليم الشريعة السمحة بالاتباع الصريح للنصوص بتطبيقها كما أراد الله وبينه لنا في سنة نبيه وما سخره سبحانه من أحداث في خلافة الفاروق ليُعلمنا فقه النصوص التطبيقي بأصوله وقواعده الشرعية لا بالهوى والرأي المحض. فحقيقة دعوى داعش هي استباحة دم الفاروق عمر أمير المؤمنين وجمهور كبار الصحابة الذين وافقوه، بحجة تكفيرهم لعدم تطبيقهم لكثير من الأحكام العظيمة الشرعية التي كانت من باب الوسائل لا الغايات، وقد زالت ذرائعها. وقد كتبت كثيرا في التفريق بين أحكام الوسائل والغايات، وتجاهل الأمة للفهم التطبيقي للشريعة الذي بينه الله لنا في خلافة الفاروق ومن وافقه من غالبية الصحابة. والأمر اليوم بيد الحكومات والفقهاء لتبني مشروع تجديد الفقه الإسلامي التطبيقي على نهج القواعد الشرعية في التفريق بين أحكام الوسائل والغايات وعدم التحريم الشرعي إلا بنص شرعي. والتي بينها لنا سبحانه في مواضع عدة عن الرسول وصاحبه الصديق وفصلها تفصيلا تطبيقيا على نطاق واسع في خلافة الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، والتي أخبرنا رسوله عليه السلام بأن المنهج الُمرتضى بالوحي هو منهج الفاروق التطبيقي في أحكام الدولة الشرعية الإسلامية وهو منهج الدولة الإسلامية. وأن منهج ثاني الإثنين في الغار الصديق رضي الله عنه وعن أمنا عائشة هو منهج تابع لعهد النبوة في إكمال تأسيس الدين لا منهج الدولة الإسلامية، وذلك في حديثه المروي في مسلم ونصه «رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه، والله يغفر له، ضعف، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن» واتباع النصوص هو صحة الفهم التطبيقي المؤصل بالقواعد الشرعية لا بجحدها بالأهواء وبدعاوى المصلحة المزاجية والتحريم الشرعي بهوى سد الذرائع أو بجحدها كداعش بإخراجها من مرادها بخلط الوسائل بالغايات.