قبل صدور بيان العلماء الشيعة العشرة في القطيف والأحساء كنت أجري حديثا مع صديق أؤكد فيه على وجهة نظري التي طالما ذكرتها بصور مختلفة. وهي أن ما يحدث في العوامية غير مفهوم ولم أعثر له، على الأقل من جانبي، على تفسير يتسق مع منطق الأشياء، سوى أن البلد تخسر مزيدا من شبابها وسمعتها الوطنية. كما أنني، أيضا، أعلم أن الغالبية الساحقة من الشيعة لا توافق على (فلتان) بعض الشباب الذي نتج عن خطاب شيعي غير محسوب يحمل صاحبه وحده وزر عنفه اللفظي المتمادي. وأذكر أنني قلت في ذلك الحديث من منطلق وطني بحت، يصدق على سنة البلد وشيعتهم، أن على عقلاء وعلماء الشيعة أن يضيقوا شوارع التطرف التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان وإلى بناء انطباع مجتمعي غير صحيح بأن الشيعة كلهم على نفس منوال هذه الشوارع. الآن وقد صدر هذا البيان المهم نريد أن يكف الجميع، بدون استثناء، عن المزايدات التي لا تعود بأي نفع على لحمة وطننا وسلامته. ونريد أن يستمر التذكير الشيعي، كما هو التذكير السني، بأن التطرف ممنوع وممجوج لأنه لا يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر البشرية والتنموية. والخيار الوحيد هو أن يتماهى الجميع تحت المظلة الوطنية الجامعة التي تؤسس لها القوانين الأخيرة التي تحارب الانتماء لأفكار ومذاهب وجماعات متطرفة. مع الاحتفاظ، طبعا، بحق الاختلاف وضرورات التنوع التي هي من سنن الكون. وفي يقيني أن الجميع يعون في هذه المرحلة أن هناك من يتربص الدوائر بوطنهم، وأن عليهم مسؤولية صد أي فكر أو يد أجنبية تحاول أن تزرع بذور الفرقة والتنابذ بين أبناء الوطن الواحد أيا كانت اختلافات مذاهبهم ومشاربهم. ما نريده، سنة وشيعة، أن نتفقه فيما يضمن سلامتنا وسلامة أوطاننا وأبنائنا، لا أن ننزلق إلى مواطن الإلغاء والهدم والتناحر الذي أفضى بالآخرين من حولنا إلى ما نراه الآن من مناجزات (طائفية) لا تعود على أي من الأطراف المتناحرة ولا على أوطانهم بخير. قد يؤخذ الإنسان، نتيجة لحماسته أو استثارته، إلى طريق خطر وزلق لكن من يرده إلى الطريق الآمن، التي تحفظه وتحفظ غيره، هم قادة الرأي من علماء وأساتذة ومثقفين وإعلاميين، الذين يجيدون قراءة آفاق المخاطر ويوضحونها للناس. ولذلك حسنا فعل أولئك العلماء الذين سنواصل معهم ترجيح كفة الوطن ولحمته على ما عداهما ومن عاداهما.