لا شك أن الإعلان عن ستين بنداً إصلاحياً من قبل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بعد جلسته نوفمبر الماضي، خاصة فيما يتعلق بمعالجة بطء النمو الاقتصادي، ورفع القيود على الاستثمارات الأجنبية، كان مؤثرا في تفعيل علاقات الصين وتنشيطها، بما يتفق مع هذه القرارات المهمة. هذه الإصلاحات الاقتصادية في الصين، ومنح السوق الحرة فيها دوراً أكبر من السابق، خاصة وأنها تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وأكبر مستورد للبترول في العالم بمعدل ستة ملايين برميل يومياً، جعلتها ترى في المملكة خياراً مناسباً في التبادل التجاري، وتنمية المصالح المشتركة بين البلدين بشكل أكبر في المستقبل، فحتى وإن كان حجم التبادل التجاري الحالي المتمثل بنحو 20 مليار دولار، أي بنسبة لا تتجاوز 7% من حجم التبادل التجاري بين الصين والشرق الأوسط البالغ 300 مليار دولار، لا يمثل رقماً جيداً، يليق بأهمية وحجم البلدين على المستوى الإقليمي والدولي، إلا أن الآمال المنشودة، خاصة بعد الزيارة الأخيرة لسمو ولي العهد للصين، تبدو كبيرة وواعدة في المستقبل القريب. فالصين في نهاية الأمر، حتى وإن كانت تحكمها سياسة الحزب الشيوعي، وحتى وإن كانت قبل خمسة قرون تعتبر التبادل التجاري الذي يقوم به تاجر صيني مع أجنبي يعد خيانة عظمى للأمبراطورية، إلا أنها الآن، وعلى المستوى الاقتصادي تسعى برغبة واضحة في التحرر من جميع القيود الاقتصادية المفروضة، والتي كانت عاملا مؤثرا في انخفاض دخل الفرد في الصين، والدليل على ذلك، الفارق الشاسع في حجم التبادل التجاري بين الصين وبين الكوريتين الجنوبية والشمالية، ففي حين يبلغ في الأولى نحو 250 مليار دولار، فإنه مع الثانية لا يتجاوز 6 مليار دولار، وهذه الهوة الكبيرة في تعامل الصين مع الكوريتين، رغم توافقها الأيديولوجي مع كوريا الشمالية، يكشف أن هذا البلد الأحمر يسير فعلا بوعي وثبات نحو الاقتصاد بالدرجة الأولى، خصوصاً مع قياداته الحزبية الجديدة، الرئيس، ورئيس الوزراء، وهو الأمر نفسه الذي قد يسير بالعلاقات الثنائية، والتبادل التجاري، بين السعودية والصين، إلى مراحل متقدمة من النمو والازدهار. ففي حين نستقبل ملايين السلع الصينية المختلفة بمليارات الريالات، مما يشكل رقماً إضافيا في الميزان التجاري لهذه الجمهورية، فإنها أيضاً، من جانب آخر، تسعى إلى زيادة استيرادها من البترول من 1.1 مليون برميل، إلى نحو 1.5 مليون برميل يومياً. وكذلك الشراكة المتنامية بين شركة أرامكو السعودية وسينوبك الصينية، والتي أثمرت عن مشروعات بترولية في الانتاج والتكرير في كلا البلدين، هي خطوات مهمة في طريق طويل من المصالح المشتركة بين البلدين. ولا شك أن تنشيط اللجان المشتركة في مختلف المجالات بين البلدين هو أمر يرسخ هذه العلاقة، وينتج المزيد من الاتفاقيات الجديدة، التي من شأنها زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. فليس غريبا هذا الانسجام بين دولتين، إحداهما مصنع العالم، والأخرى مخزن العالم للطاقة، بل لعل الغريب ألا يكون مثل ذلك، ومثل هذه الزيارة الرسمية، والاتفاقيات الموقعة، واللجان المشتركة في مختلف المجالات.