كلما جئت إلى دبي مباشرة من بيروت، أشعر بالندم لأنني لم آت عن طريق بلد ثالث تخفيفا لما يسمى «الصدمة الثقافية». وهذه كانت تحدث لفلاحي الصعيد عندما ينزلون القاهرة للمرة الأولى، وتفاجئهم زحمة السيارات والمباني العالية والهوانم زي ممثلات السينما. دعينا إلى القمة الحكومية الثانية مع أننا من بلد لم يستطع أن يشكل حكومة منذ 11 شهرا. أو هو ممنوع من ذلك. أو مرهون. أو ينتظر أن تهطل بردا وسلاما على حلب بدل البراميل السوفياتية. أو أن يقتنع الدكتور وليد المعلم بضرورة اختصار خطبه في جنيف لأن شعبه يموت في سوريا وبلده يرمد والإرهاب كالجراد. في اليوم الأول من القمة الحكومية، أصغيت إلى الشيخ سيف بن زايد، وزير داخلية الإمارات، يحاضر طوال ساعتين حول التطور في دولة كانت في الخمسينات تتنقل على الجمال. أين هي اليوم؟ الرجاء أن تصدق ما أقول: هي اليوم على وشك استخدام طائرات «الدرون» (من دون طيار) للخدمات الحكومية في أرجاء الاتحاد. لا مكان في حكومة محمد بن راشد لـ«أي وزير غير استثنائي. أي مدير غير استثنائي. أي حاجب غير استثنائي». دعيت إلى أن أشاهد مقر «النيابة العامة»، فوجدته مثل صالات المطارات. يجب أن يشعر المواطن بأن الدولة قائمة لكي تطمئنه، لا لكي تخيفه. وموظفو المطارات يرتدون جميعا ثيابا مدنية رغم رتبهم الأمنية، لأن القادم يجب أن يشعر بحرارة الاستقبال لا بفظاظة الطرد، كما هو حال سائر المطارات العربية. كان في قاعة المؤتمر 3500 شخص. وكان في إمكانك أن تصغي إلى صوت صمتهم وصوت المحاضر. والمحاضرون يجمعون على أن المسؤولية الأولى والأخيرة في الأمم هي مسؤولية الحكومة. ونحن في لبنان بين حكومة «تصريف أعمال» لا مسؤولية عليها، وحكومة لا تؤلف لأن كل فريق يعتبر أن لا فرق بين الحقيبة الوزارية والحقيبة الشخصية. (الجزدان باللغة اللبنانية). وأنا أصغي إلى سيف بن زايد، كنت أفكر في العالم العربي. في سوريا ولبنان ومصر والعراق وفلسطين وأتساءل: هل هذه البقعة جزء من العالم العربي؟ هل هذه الشوارع النفنافة، المضاءة مثل حدائق أوروبا، المنظمة مثل قمر صناعي ياباني، هل هي عربية حقا؟ ماذا أراد «إخوان الإمارات» أن يضيفوا أو أن يغيروا عندما قرروا إلحاق هذه الدولة بابتكارات ورؤية محمد مرسي؟ جاء إلى المؤتمر من سويسرا صاحب «منتدى دافوس». ما الفروقات التي لاحظها؟ ولصالح من؟ أعرف أنني أكرر نفسي عندما أثير دائما المقارنة مع الإمارات التي عرفتها في الماضي؛ الرمال والقفر والفقر وبيوت الطوب والجسور الرجراجة. لكن هذا كله عالم من الماضي، يعرض صوره سيف بن زايد ويصارح السامعين بأن هذا كله من مدرسة مؤسس الاتحاد، ولم يكن لديه سوى درس واحد بسيط وواضح: أحبوا الناس. أمطرهم حدائق. وحول صحاريهم إلى جنائن، ورفع الحديث الشريف شعارا: إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه. أمام العرب نموذجان: القمة الحكومية في دبي والوضع الحكومي في لبنان. رؤية محمد بن راشد ورؤية محمد مرسي. المستقبل لأهل المستقبل.